وأنه بعد نزول القرآن الكريم صار المسلمون في موقع المسؤولية للعمل بالقرآن: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ (٦)، كما صار العلماء والدعاة في موقع المسؤولية ليس فقط للعمل بالقرآن، بل أيضا لإنذار المشركين وتذكير المؤمنين (الآية ١ - ٢)، وأنّ أصل معصية بني آدم تكمن في الاستكبار والاعتداد بالنفس كما هي حال إبليس: ﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾ في حين الاستكبار يؤدي بصاحبه إلى نقيضه من الذلّ والصّغار: ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ (١٣)، وأن وساوس إبليس من هذا القبيل تعمل في بني آدم بكل وسيلة: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ﴾ (١٧)، فإذا اجتمع التكذيب بالآيات مع الاستكبار كانت النتيجة حبوط العمل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاِسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ (٤٠)،
وأن هنالك من الناس من هم على مستوى عال من المعرفة - على الأعراف -، يستطيعون التمييز جيدا بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، والإيمان والكفر، ولكنهم غير ملتزمين ولا مكترثين للعمل الصالح فلم يتحمّلوا مسؤولياتهم، غير أنهم في الوقت نفسه لم يصدّوا عن سبيل الله: ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ (٤٦)،
وأن دأب المؤمنين الحرص على حرية الرأي بما يهيئ المناخ الفكري لانتشار الدعوة بالقناعة وبالقدوة الحسنة: ﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ (٨٧)، على النقيض من الكفار الذين يخشون الحرية الفكرية خوفا من انتشار الدعوة: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ﴾ (٨٨)،