السور التوقيفي يقتضي أن لهذا الترتيب مغزى لطيفا لا علاقة له بطول السورة أو قصرها، وهو ما اجتهد الكاتب في بيان ارتباط السور المتتالية بعضها ببعض.
وإذا قرأ أحدهم القرآن دون محاولة التركيز على النظم فقد تبدو له الآيات مفككة المعاني، غير أن وضع كل آية في نصابها الصحيح من السورة ودراسة تعلقها بما قبلها وما بعدها يلقي المزيد من الضوء على معناها بما لا يقبل الخطأ.
وليس من شك أن بعض المفسرين فطن لهذا الموضوع، ولكن تصديهم له كان جزئيا كما هي الحال في التفسير الكبير للرازي (المتوفّى ٦٠٤ هـ/ ١٢٠٨ م) الذي حاول أن يجد العلاقة أحيانا بين بعض الآيات وبعضها الآخر أو العلاقة بين نهاية بعض السور وبداية السورة التي تليها، كما بذل الألوسي (المتوفّى ١٢٧٠ هـ/ ١٨٥٤ م) في تفسيره (روح المعاني) ذات المحاولة الجزئية، غير أنهما معا لم يستفيدا من إحكام النظم في تفسيرهما للسور القرآنية كل على حدة، ولا للقرآن بمجمله، وقد وردت هذه المحاولة الجزئية أيضا في تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا،
وقد لفت الإمام الزركشي (المتوفّى ٧٩٤ هـ/ ١٣٩٢ م) في كتابه (البرهان في علوم القرآن) النظر لهذا الموضوع، إذ عرّف النظم بعبارة:«معرفة المناسبات بين الآيات» فكتب: «وهذا النوع - من معرفة المناسبات بين الآيات - يهمله بعض المفسّرين أو كثير منهم، وفوائده كثيرة»، وكتب أيضا:«قال بعض مشايخنا: قد وهم من قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة، لأنها على حسب الوقائع تنزيلا، وعلى حسب الحكمة ترتيبا، فالمصحف مرتّبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أوّل شيء عن كونها مكمّلة لما قبلها أو مستقلّة، ثم المستقلّة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جمّ، وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له»، ونقل عن الشيخ أبي الحسن الشهرباني قوله: «أوّل من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نكن سمعناه