الأوقات حتى الفرات، ومدين المدينة تقع بين معان وخليج العقبة، وهي على ملتقى طرق القوافل التجارية التي كانت تتنقل بين الحجاز ومصر، وبين العراق ومصر، وقيل إن أهاليها، وهم أصحاب الأيكة، من سلالة مدين وهو ابن إبراهيم ﵇ من زوجته الثالثة قيتورا، ولذا سميت المدينة والقبيلة باسمه، وتجار مدين هم الذين وجدوا يوسف - بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ﵈ في البئر ثم باعوه عبدا في مصر (سورة يوسف)، والظاهر من القصص الخمسة السابقة أن نوحا ثم هودا ثم صالحا ثم لوطا ثم شعيبا بعثوا بهذا الترتيب التاريخي، والواضح أيضا أن شعيبا جاء بعد إبراهيم - الذي كان عمّ لوط -، وقد شكّك عبد الله يوسف علي أن يكون شعيب هو حمو موسى ﵇ أو أن يكون معاصرا له كما هو شائع في التراث، فالمعروف أن بين بعثة إبراهيم وبعثة موسى حوالي ثمانية قرون من الزمن، في حين أن بعثة شعيب لم تتأخر بعد إبراهيم ولوط بأكثر من قرن أو قرنين من الزمن، أما الحروب التي قيل إنها نشبت بين قبائل مدين وبين بني إسرائيل، بعد دخول بني إسرائيل إلى سيناء وفلسطين، فيبدو أن الذين اشتركوا فيها من بقايا القبائل الرحل الذين قطنوا مناطق مدين بعد هلاك قوم شعيب بزمن طويل ﴿قالَ يا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ دعاهم إلى التوحيد ونبذ الشرك ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وهي التي أيّد بها تعالى نبيّه شعيبا، وقد تكون الوحي الذي نزل عليه والدلائل على صحة التوحيد والنبوّة التي جاءهم بها ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ بناء على ما جاءكم من البينة من ربّكم انتهوا عن أكل حقوق الناس، فالإيمان يجب أن يترتب عليه العدالة في المعاملة، والظاهر أن الغش والاحتيال في المعاملات الاقتصادية والتجارية وبخس الحقوق كان فاشيا بينهم، وأن نظامهم الاقتصادي كان قائما على ذلك، مع تغليفه بمسميات قانونية وعملية، فكان أول ما نهاهم شعيب عن ذلك، بعد أن نهاهم عن الشرك ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها﴾ لا تفسدوا في الأرض بتخريب الأحوال المعيشية الطبيعية وبالظلم والعدوان ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾ بعد أن بعث الله