للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى اليوم، بعد أن رفضوا آخر أنبيائهم عيسى المسيح ، ثم رفضوا بعثة خاتم الأنبياء والرسل محمد ﴿فَظَلَمُوا بِها﴾ ظلموا أنفسهم على علمهم بها، أي بالآيات، أو ظلموا بكفرهم بها، لأن الكفر ليس إلا تخريب للنفس، ولا يضر إلاّ صاحبه ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ انظر أيها القارئ، أو أيها السامع، عاقبة الفراعنة وأمثالهم من المفسدين من بني إسرائيل، والمغزى أن الإفساد والفساد نتيجة حتمية للكفر الذي هو ظلم للنفس، ويلاحظ أنه في آية واحدة تم إجمال بعثة موسى من بدايتها حتى نتيجتها، لبيان العبرة الرئيسية منها قبل الدخول في التفصيل.

ويشمل معنى ﴿عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ بني إسرائيل أنفسهم، وليس فرعون فقط، لأن سيرة بني إسرائيل غاصة بأمثلة من عنادهم وإفسادهم، كالتذمر من رسالة موسى (الآية ١٢٩)، وطلبهم منه أن يجعل لهم آلهة أصناما (الآية ١٣٨)، وعبادة العجل الذهبي (الآية ١٤٨)، وطلبهم أن يروا الله جهرة [النساء: ١٥٣/ ٤]، وقولهم لموسى ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا﴾ [المائدة ٢٤/ ٥]، وإفسادهم في فلسطين (الآية ١٦٣)، والعدوان على شريعة السبت (الآية ١٦٣)، وافتراء الكذب على الله وإضاعة التوراة الوحي، وتحرير غيرها من عندهم (الآية ١٦٩)، وارتكاسهم المتكرر إلى الوثنية ممّا هو موثّق في كتبهم قبل غيرهم، وعبادتهم آلهة بعل الكنعانية، انظر آية [الصافات ١٢٥/ ٣٧]، ومن عواقب عملهم أنهم صاروا كأمثال القردة الخاسئين (الآية ١٦٦)، والناس تسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة (الآية ١٦٧)، وتشريدهم في الأرض أمما مبعثرة (الآية ١٦٨).

ومن المهم ملاحظة الإسهاب في قصة موسى وبني إسرائيل، الآيات (١٠٣ - ١٧١) أي ٦٨ آية، في حين أن قصص الأقوام الخمسة من قبلهم وصفها تعالى جميعا بالآيات (٥٩ - ٩٣) أي ٣٤ آية، والسبب أن الأقوام الخمسة الأولى قد انقرضت، وقد بيّن لنا تعالى العبر من عاقبة سلوكها وهلاكها، في حين أن إفساد بني إسرائيل لا يزال باقيا على مر الأيام حتى عصرنا الحديث، وهذا من

<<  <  ج: ص:  >  >>