للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدير الخطاب: فضرب فانبجست، وحذف المعطوف عليه للإشارة لسرعة الامتثال، حتى كأنّ الإيحاء وضرب الحجر أمر واحد، وأن الانبجاس بأمره تعالى، كأنّ فعل موسى لا دخل له فيه (الألوسي)، ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ كي لا يقتتلوا على الماء ﴿وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ﴾ وهي نعمة ثالثة، لأن بني إسرائيل قضوا أكثر من أربعين عاما في صحراء سيناء، حيث لا شجر ولا ظل يقيهم أشعة الشمس الحارقة، وقد جاؤوا سيناء بأعداد كبيرة بلا استعداد، فلولا معجزة الماء وتظليل الغمام عليهم لهلكوا ﴿وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى﴾ طعاما لهم يقيهم المجاعة في الصحراء، وهي النعمة الرابعة المذكورة في هذه الآية، قال بعضهم إنّ المنّ كان يشبه بذور الكزبرة وكانت تنبت بعد هطول الندى على الأرض ليلا، وبرحمة الله توافرت لهم أيضا السلوى، وهي طيور السمّان بكميات وفيرة أنقذتهم من المجاعة، وقيل إنها كانت طيورا مهاجرة من إفريقية ولا سيّما مصر، تصل إلى سيناء متعبة فتقع على الأرض أو تسفّ فتؤخذ باليد ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ رزقا إلهيا بلا تعب ولا عمل ﴿وَما ظَلَمُونا﴾ بكفران كل هذه النعم المذكورة وغيرها من النعم الكثيرة ﴿وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ ظلموا أنفسهم بمعصيتهم وذنوبهم، وأنّ عاقبة معصيتهم مقتصرة عليهم لا غير، وضرر الكفر يعود عليهم، راجع أيضا آية [البقرة ٥٧/ ٢]، ويلاحظ الإعجاز في تحقق هذه النعم التنظيمية والمعاشية لبني إسرائيل في ظروف مناخية شديدة الصعوبة، ومن يزور صحراء سيناء اليوم يدرك ضخامة هذا الإعجاز، إذ حتى في ظروف الحضارة الراهنة يعتبر من الصعوبة البالغة تنظيم وتزويد أعداد كبيرة من البشر بالطعام والشراب والمأوى في بيئة سيناء القاسية لسنين طويلة، أضف إلى ذلك أن اليهود جاؤوا إلى سيناء من غير استعداد ولا تحضير مسبق، ثم إنهم كانوا محاطين بالأعداء من كل جانب، فكانوا محط العناية الإلهية، كل ذلك ممّا يزيد من فداحة ظلمهم الذي تشير إليه الآية، بسبب كفرانهم كل هذه النعم الإلهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>