للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قبل المقرض، كما أن أكلة الربا، على العكس من المنفقين تماما، يمتصون أموال الآخرين دون وجه حق: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا﴾ ويتهالكون على المادة ﴿لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ لأنّ الشيطان يدعو إلى طلب الدنيا واللّذات والشهوات، فينشغل الإنسان عن الذكر، وآكل الربا يكون مفرطا في حب الدنيا متهالكا عليها، فيصبح سلوكه كما لو أنّ به مسّ من الشيطان، وهذا تشبيه، لأن العرب زعمت أنّ الإنسان يتخبّط من مسّ الشيطان، والمسّ عندهم هو الجنون، وزعموا أيضا أن الجنّي يمسّ الرجل فيختلّ عقله، ولذا قالوا: جنّ الرجل، كما كانوا إذا أرادوا تقبيح شيء نسبوه إلى الشيطان، انظر الرازي، فخاطبهم القرآن على ما تعارفوا عليه، وقد يكون مسّ الشيطان أيضا وساوسه السيئة، وقيل المقصود وصف حالة أكلة الربا يوم الجزاء ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا﴾ كلمة ﴿ذلِكَ﴾ تشير إلى تخبطهم المذكور فيما تقدّم، أي إنّ حالتهم تلك سببها قولهم أنّ البيع مثل الربا ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ وذلك لعدّة وجوه منها:

أ- الربا عبارة عن الاستيلاء على مال الغير بلا مقابل رغم أنّ المال له حرمة عظيمة، وفي مسند أحمد أن النبي قال: «حرمة مال الإنسان كحرمة دمه»، فلذا يكون أخذ مال الغير من غير مقابل محرّما، فإن قيل: لم لا يكون هنالك مقابل لبقاء المال في يد المقترض، إذ لو بقي رأس المال في يد صاحبه لأمكنه أن يتّجر فيه ويستفيد ربحا في حين أن الربح استفاد منه المقترض، والجواب أنّ ربح المقترض المشار إليه أمر ظنّي قد يتحقق وقد لا يتحقق، في حين أن الربا الذي يقتصّه صاحب المال أمر مؤكّد فلا يجوز اقتصاص شيء مؤكّد مقابل شيء ظنّي، ولهذا السبب لا يدخل في الربا من يقرض آخر مالا يستثمره ويشاركه في ربحه أو خسارته إن حصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>