للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبأسها، وكان أبو سفيان في هذه الأثناء قد أخذ جانب الحيطة فاتخذ مسارا لقافلته عائدا بحذاء ساحل البحر، على أبعد مسافة ممكنة من المدينة.

ولما كانت عادة النبي في جميع غزواته وسراياه كتمان خططه المسبقة حتى ساعة التنفيذ، وحتى بعد الخروج بأصحابه من المدينة، وأنه كان أحيانا يخرج بأصحابه من المدينة في اتجاه مغاير لهدفه الحقيقي إمعانا في تضليل الجواسيس من الكفار والمنافقين، فإن إعلانه العزم على مهاجمة القافلة، وهي لم تزل في الشام، وقبل عدة أسابيع من اقترابها المدينة، ممّا يدل أن كلام الهجوم على القافلة لم يكن سوى تغطية، وأن الهدف الحقيقي من بث الخبر كان استدراج قريش إلى مواجهة عسكرية حاسمة تنهي حالة الخوف والترقب التي كان يعيشها المجتمع الإسلامي في المدينة.

كان المسلمون بعد الهجرة يشعرون بتهديد قريش المستمر لهم ويخشون من احتمال اجتياحها المدينة بمساعدة بعض قبائل العرب، وكانت قريش تبعث الحملات للإغارة على المسلمين من وقت لآخر، ومن ضمن ذلك غارة المشركين بقيادة كرز بن جابر الفهري التي وصل بها أطراف المدينة وسلب بنتيجتها من مواشي المسلمين ومتاعهم، ومن جهة أخرى كانت قريش تحرض القبائل المتحالفة مع النبي على النكوص ونقض العهود، فلم يكن بوسع النبي أن يتخذ موقفا سلبيا، ولا أن يقف موقف المستضعف تجاه هذا الوضع القلق، وكان يرد على تحدي قريش بتهديد قوافلها التجارية والتعرض لها، ليس بغرض السلب أو النهب ولا بغرض إهراق الدماء، وإنما لإنذار قريش أنه بإمكان المسلمين إلحاق الضرر بتجارتها واقتصادها، وكان يخشى لو اتخذ موقفا سلبيا أن يتعاظم أمر قريش بتكتل القبائل معها، وتأليب القبائل المتحالفة معه، فأراد أخذ زمام المبادرة بين يديه.

<<  <  ج: ص:  >  >>