للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان النبي يريد مهاجمة قافلة أبي سفيان ونهبها، كما قد يظنّ، لكان كمن لها فجاءة بطريق عودتها من الشام، دون إعلان مسبق، فلا تكون لأبي سفيان الفرصة في طلب النجدة من مكة، ولا في تغيير مسيره نحو ساحل البحر، ولكن إعلان النبي قبل أسابيع من وصول أبي سفيان لمنطقة المدينة أعطاه الفرصة لطلب النجدة من كفار مكة ومن ثمّ حشد قوة كبيرة من قريش.

وفيما كان أبو سفيان مسرعا بقافلته جنوبا، كان أبو جهل يتجه شمالا بجيش مؤلف من حوالي ألف رجل كاملي الدروع والسلاح، يمتطون حوالي سبعمئة ناقة وأكثر من مئة فرس، حتى وصل بهم إلى وادي بدر، على قرابة مئة وخمسين كيلومترا غرب المدينة جنوبا، متوقعا لقاء أبي سفيان على طريقه المعتاد، ولم يكن يعلم أن أبا سفيان قد اتخذ مسارا بحذاء البحر.

وكان النبي يتقصّى الأخبار كعادته، فلما علم بخروج جيش قريش، كما كان يتوقع، جمع الناس واستشارهم، وحثّهم على الخروج للقاء عدوهم، وأخبرهم أن الله تعالى قد وعدهم إحدى الطائفتين (الآية ٧): العير أو النفير:

أي قافلة أبي سفيان، أو جيش المشركين، فأبدى عدد منهم رغبتهم في الهجوم على القافلة، فتأثّر النبي من رغبتهم لأن خطته كانت غير ذلك، فردّد عليهم وقال لهم: إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا:

يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فظهر الغضب على وجه النبي ، وقام أبو بكر وعمر يحثّان الناس على مجابهة قريش، ثم تكلم سعد بن عبادة عن الأنصار، والمقداد بن عمرو عن المهاجرين، وسعد بن معاذ عن الأنصار أيضا، كلّ منهم مبديا استعداد أصحابه للمضي فيما يراه النبي ، فسرّ النبي بكلامهم ودعا لهم بخير، وخرج بالناس من المدينة وفريق منهم كاره لذلك لا يريد القتال (الآية ٥)، وقد جادلوا النبي كأنما يساقون إلى الموت وهم ناظرون إليه (الآية ٦)، وتخلف عن الانضمام إلى المسلمين منافقو المدينة والذين في قلوبهم مرض من الأوس والخزرج قائلين: ﴿غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ﴾ (الآية ٤٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>