ساخرين من خروج المسلمين لمجابهة جبروت قريش، ومستخفّين بهم لقلّة عددهم وضعف عدّتهم.
كان خروج النبي ﷺ من المدينة على رأس حوالي ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، خفيفي السلاح، قليلي العدة، ستون منهم فقط يحملون دروعا، ومعهم ما لا يزيد عن سبعين ناقة وفرسان فقط يتناوبون الركوب عليها، واتجه بهم نحو الجنوب الغربي، ولو كان خروج النبي ﷺ بهم لغزو قافلة أبي سفيان، كما ظن البعض، لما احتاج إلى هذا العدد من المحاربين وهو يعلم أن حامية القافلة لا تزيد عن أربعين رجلا، ولو كان يريد القافلة لاتجه نحو الشمال الغربي ولم يتجه نحو الجنوب الغربي لملاقاة قريش،
وفي يوم ١٧ رمضان وصل النبي ﷺ ومن معه إلى بدر ليفاجؤوا بجيش المشركين يفوقهم في العدّة كثيرا، ويفوقهم في العدد ثلاثة أضعاف، ولو تواعدوا لاختلفوا في الميعاد (الآية ٤٢)، وتلت ذلك اللقاء المواجهة العسكرية الكبرى الأولى بين مسلمي المدينة ومشركي قريش وبنتيجتها انهزم المشركون هزيمة ساحقة، وقتل سبعون من أكابرهم من بينهم قائدهم أبو جهل، واستولى المسلمون على غنائمهم.
كان من أثر هذه النتيجة الحاسمة أن أيقن المشركون بعدها أن بعثة النبي ﷺ لم تكن حلما عابرا سرعان ما يزول، وإنما هي بداية لقوة سياسية جديدة، وعصر جديد لم تعرفه الجزيرة العربية من قبل، فقد تحققت مخاوف قريش على نحو حاسم لم يكونوا يتوقعونه، ومع أن وقعة بدر لم تقض نهائيا على قوى الشرك في جزيرة العرب إلاّ أنها شكّلت تحوّلا مهمّا جدّا في مجريات الأمور، إذ اتضح بعدها أن قوى الشرك في جزيرة العرب سائرة إلى زوال لا محالة.
كما شكلت بدر نقطة تحول هامة في تفكير المسلمين أيضا، فيبدو أنه حتى ذلك الوقت لم يكن سوى القليل منهم يدرك المغزى والمضمون السياسي للنظام الإسلامي الجديد، أما بعد معركة بدر فصار بيّنا حتى لدى بسطاء المسلمين