﴿الْكِتابِ﴾ [الرعد ١٣/ ٣٩]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل ١٦/ ١٠١]، بمعنى أنه تعالى نزّل الرسالات السماوية بالتدريج واحدة تلو الأخرى بحسب تطور الإنسان الفكري والاجتماعي، ولمّا ختمها برسالة القرآن اتهم أهل الكتاب النبيّ بالافتراء، وليس المعنى نسخ بعض الآيات القرآنية كما يظن بعض المفسرين، راجع أيضا شرح آية [المائدة ٥/ ٤٨]،
وقد نسب تعالى الإنساء إلى ذاته العلية مع أنه من فعل البشر، فكل شيء في الكون يسير بتقدير من الله ولا يمنع ذلك أن الإنسان مختار لأعماله، قال تعالى عن اليهود ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة ٥/ ١٣]، وقال عن المسيحية أيضا ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة ٥/ ١٤]، وما ذكّروا به هو الذكر، أي الوحي الذي نزل على أنبيائهم، وسمّي الوحي ذكرا لكونه يذكّر البشر بالميثاق الفطري المأخوذ عليهم، أنظر شرح آية [الأعراف ٧/ ١٧٢].
وأما قوله تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج ٢٢/ ٥٢] فقد يكون أنه نسخ الحديث الشريف بالقرآن، أو أنه النسخ لما يحاول الشيطان إلقاءه في روع الأنبياء من مطامع الدنيا، وليس في الآية ما يدل على غير هذا المعنى، وعلى أية حال فإن قوله: ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ فيه استثناء للنبي ﷺ ويدل على أن الآية تشير لمن قبله فقط من الأنبياء.
أما لو قبلنا رأي بعض المفسرين أنّ المقصود من هذه الآية نسخ بعض آيات القرآن الكريم، فعندئذ لا يستقيم المعنى ولا يحصل بين هذه الآية وبين ما قبلها أو بعدها علاقة ولا ارتباط، وينقطع النظم القرآني، ويحصل فساد في الترتيب، وذلك لا يليق بكلام الله تعالى، ولكن يستقيم النظم سابقا ولاحقا عند ما يكون المقصود نسخ الشرائع السابقة.