للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر الرازي عن المفسر الشهير أبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني:

«أنّ المراد من الآيات المنسوخة هي الشرائع القديمة من التوراة والإنجيل»، وأن «ليس في القرآن آية منسوخة»، و «أنّ النسخ خلاف الأصل فوجب المصير إلى عدمه بضرب من التخصيص أو التأويل»، ويعتمد الأصفهاني على التخصيص والتأويل لإبطال كل ما قاله بعض المفسرين عن نسخ بعض الآيات القرآنية، إذ ثبت في علم أصول الفقه أنّه إذا وقع التعارض بين النسخ والتخصيص كان التخصيص أولى، أي إنّ معنى الآية التي يقولون: إنّها منسوخة، ينصرف إلى إيضاح حالة خاصة، «أما قولهم بالنسخ فهو بعيد، فكأنهم شغفوا بتكثير الناسخ والمنسوخ من غير ضرورة ولا حاجة، والحقّ ما قرره أصحاب أصول الفقه أن الأصل عدم النسخ، فوجب السعي بتقليله قدر الإمكان» (الرازي).

كما ذكر الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار ما يلي: «كان لبعض العلماء ولع بتكثير استخراج الناسخ والمنسوخ من القرآن لما فيه من الدلالة على سعة العلم بالقرآن، وإن كان علما بإبطال القرآن بادي الرأي، من غير حجة تضاهي حجة القرآن في القطع والقوة، ولا ينبغي للمؤمن أن يحسب هذا هيّنا وهو عند الله عظيم» (المنار ص ١٢١ /ج ٢).

يضاف إلى ذلك أنه ليس لفكرة نسخ الآيات القرآنية أساس تاريخي أو سند صحيح في السنّة، وترجع في أصلها إلى:

أولا: عجز المفسرين عن التوفيق بين بعض آيات القرآن الكريم وبعضها الآخر، فيتجاوزون هذه الصعوبة بمقولة النسخ بطريقة اعتباطية ليس فيها إجماع حتى بين مؤيدي مقولة النسخ أنفسهم،

وثانيا: بسبب اعتبارهم كلمة (آية) بمعنى ضيّق فقط على أنها جملة من القرآن الكريم، مع أنها تحتمل عدة معان، انظر شرح الآية (٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>