للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.

عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.

عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً

<<  <  ج: ص:  >  >>