فأدخل إليه فقال: هذا رجل كان يزعم أنه قاضي المسلمين خمسةً وعشرين سنة، وقد غصبني داري وهو ساكنها الآن ولي عليه من أجرتها خمسة دنانير؛ فسئل القاضي بكار عن ذلك فقال: لا أدري ما يقول هذا الرجل، أنا لم أنزل هذه الدار، وإنما أنزلتها كرهاً، فإن كان مغصوباً فالذي غصبه هو الذي أنزلنيها.
وهذا في الجملة كلامٌ محال، ما ظننته يجوز على أحد، لأني إن كنت غاضباً فما له علي أجرة معلومة، ولئن كانت له علي أجرة بسكناي داره فما أنا غاضب.
قال: فأمر للذي كان يخاصم إليه بخمسة دنانير فدفعت إلى الذي خاصمه ما كان يلبسه للجمعة وخرج إلى الباب يريد الرواح منه فيقول له الموكلون به: ارجع، فيقول: اللهم اشهد، ثم يرجع.
فلم يزل كذلك فيها حتى توفي أحمد بن طولون؛ فبقي هو فيها بعد ذلك حتى توفي وأخرجت جنازته بعد العصر وكثر الناس وفيهم أصحاب أحمد بن طولون قد غطوا رؤوسهم حتى لا يعرفوا وزادت الجماعة من غير أن يرى في الناس راكبٌ واحد، فشهده أكثر ممن شهد العيد بوقارٍ وسكينة.
[بكار بن محمد]
حدث عبد الله بن سعيد بن يحيى الرقي قاضي فارس قال: كتبت إلي والدتي مرية بنت مروان بن يزيد بن عبد الملك بن عياض بن غنم القرشية من الرقة وأنا على قضاءٍ تستر تقول: حدثتني والدتي عاتكة بنة بكار عن أبيها بكار بن محمد قال: دخلت على هشام بن عبد الملك بالرصافة وهو جالسٌ في قبته الخضراء وعنده ابن شهاب الزهري: فحدثنا ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" ما ترك عبد الله أمراً لا يتركه إلا لله تعالى إلا عوضه الله منه ما هو خيرٌ له منه في دينه ودنياه ".
قالت العجوز: فآثرني على ما أنت فيه يعوضك الله تعالى ويؤثرك.
وكتب إلي في أسفل كتابها لنفسها:" من الطويل "
عجوزٌ بأرض الرقتين وحيدةٌ ... لنأيك بالأهواز ضاق بها الذرع
وقد ماتت الأعضاء من كل جسمها ... سوى دمع عينيها فلم يمت الدمع