وأبسط أملهم ليرجعوا إلى ما كانوا عليه حتى لا تخرب الدنيا، ولولا ذلك ما عمرت الدنيا. ثم غاب عني.
[رجل صالح]
من أهل دمشق. قال معروف: رأيت رجلاً في البادية شاباً، حسن الوجه، له ذؤابتان حسنتان، وعلى رأسه رداء قصب، وعليه قميص كتان، وفي رجله نعل طاق. فتعجبت منه في مثل ذلك المكان، ومن زيه. فقلت: السلام عليكم ورحمة الله. فرد علي. فقلت: الفتى من أين؟ قال: من دمشق. قلت: متى خرجت منها. قال: ضحوة النهار وبينه وبين المكان مراحل كثيرة فقلت: وأين المقصد؟ قال: مكة إن شاء الله. فعلمت أنه محمول، وقلت لنفسي: لو علم أنه يساق إلى الموت سوقاً لرفق بنفسه. فودعته، ومضى. فبعد ثلاث سنين أنا جالس في منزلي أتفكر في أمره، إذ دق الباب، فإذا بصاحبي، فسلمت عليه، وأدخلته المنزل، فرأيته منقطعاً ذاهباً، حافياً حاسراً، فقلت: أيش الخبر؟ فقال: يا أستاذ، لم تخبرني بما يفعل بمعامليه. قلت: فأخبرني ببعض خبرك. قال: نعم، لاطفني حتى أدخلني الشبكة، ثم ضربني ورماني، فمرة يلاطفني، ومرة يهينني، ومرة يجيعني، ويطعمني أخرى، فليته أوقفني على بعض أسرار أوليائه، ثم يفعل بي ما شاء. وبكى بكاء شديداً. قال معروف: فأبكاني. فقلت: فحدثني ببعض ما جرى عليك مذ فارقتني. فقال: هيهات أن أبديه، وهو يريد أن أخفيه، ولكن بدياً ما فعل بي في طريقي إليك. فقلت: ما فعل بك؟ قال: جوعني ثلاثين يوماً، ثم جئت إلى قرية فيها مقثاة قد نبذ عنها المدود والفاسد وطرح، فقعدت آكل منه، فبصر بي صاحب المقثاة، فأقبل إلي بسوط يضرب ظهري وبطني، ويقول: يا لص، ما خرب مقثاتي غيرك، منذ كم أنا أرصدك حتى وقعت عليك. فبينا هو يضربني، أقبل فارس نحوه مسرعاً، وأفلت