فجاء من ليلته، فاستأذن على عروة، فوجده يصلي، فاذن له في مصلاه، فقال له: هذه الساعة؟! قال: نعم، يا أبا عبد الله طال علي الثواء، وذكرت الموت، وزهدت في كثير مما كنت أطلب، وخطر ببالي ذكر من مضى من القرون، فبكى، فجعل الماجشون يذكر فناء الناس، وما مضى ويزهد في الدنيا ويذكر بالآخرة حتى أوجس عروة فقال: قل فما تريد؟ فإنما قام محمد من عندي آنفاً، فمضى في قصته، ولم يذكر شيئاً، ففطن عروة، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، واحتسب محمداً عند الله، فعزاه الماجشون عليه، وأخبره بموته.
وقيل: إن الوليد حمل عروة على بغلة كان الحجاج أهداها إلى الوليد، فخرج من عنده محمد ابنه فضربته البغلة، فمات، فأسقط في يد غلمانه، ولم يخبر أحد بخبره، ومضوا إلى الماجشون.. الحديث.
قال: فما رئي أصبر منه. ولما قطعوا رجله قالوا له: تسقى شيئاً؟ قال: فتمسك. قال: وبسطها على مرفقه حتى نشرت وحسمت، فما تكلم، ولا تأوه.
[عبد الله بن ميمون بن عياش بن الحارث]
ويقال: عبد الله بن محمد بن ميمون أبو الحواري التغلبي الغطفاني والد أحمد بن أبي الحواري الزاهد. كان من الزهاد أيضاً، وكان بدمشق. وقيل: كان كوفياً وانتقل ابنه إلى دمشق.
قال عبد الله: سمعت وهيب بن الورد يقول: إذا دخل العبد في لاهوتية الرب، ومهيمنة الصديقين، ورهبانية الأبرار لم يلق أحداً يأخذه بقلبه، ولا يلحقه عينه. قال أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري: حدثت به أبا سليمان فقال: أما اللاهوتية فالعظمة. قال: فما المهيمنية؟ قلت: لا أدري؟ قال: اليقين. قال: فما الرهبانية؟ قال: قلت: لا ادري. قال: هو الزهد.