أبو الفضل المقدسي الحافظ، المعروف بابن القيسراني طاف في طلب الحديث، وسمع بالشام وغيرها، وكانت له مصنفات كثيرة، إلا أنه كان كثير الوهم، وله شعر حسن، مع أنه كان لا يحسن النحو، وصنف كتاباً في المختلف والمؤتلف فيما اتفق لفظه واختلف أصله.
قال محمد بن طاهر المقدسي: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، ومرة بمكة، وذلك أني كنت أمشي حافياً في حر الهواجر بهما، فلحقني ذلك. وما ركبت قط دابة في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري إلى أن استوطنت البلاد، وما سألت في حال الطلب أحداً، وكنت أعيش على ما بي من غير مسألة، والله ينفعنا به ويجعله خالصاً لوجهه.
أنشد أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه: من الطويل
إلى كم أمني النفس بالقرب واللقا ... بيوم إلى يوم وعشر إلى عشر
وحتام لا أحظى بوصل أحبتي ... وأشكو إليهم ما لقيت من الهجر
فلو كان قلبي من حديد أذابه ... فراقكم أو كان من أصلب الصخر
ولما رأيت البين يزداد والنوى ... تمثلت بيتاً قيل في سالف الدهر
متى يستريح القلب والقلب متعب ... ببين على بين وهجر على هجر
كتب أبو المعمر الأنصاري بخطه: مات أبو الفضل المقدسي يوم الجمعة خامس عشر من ربيع الأول سنة سبع وخمس مئة، وكان حافظاً متقناً، ودفن في المقبرة العتيقة بالجانب الغربي.