وقرطاس، ثم ضرب ببصرة نحو المدينة، فإذا الحائط قد غشيه المسودة، فقال: نح هذا القرطاس عني، فإني قد دخلتها قسراً، فقال له يحيى: لا، والله ولكن دخلتها غدراً، لأنك جعلت لنا أماناً، فخرج عليه من خرج، ودخل عليه من دخل، فإن كان كما تقول فاردد رجالك عنها، وارددنا إلى مدينتنا، فقال له عبد الله بن علي: إنه والله لولا ما أعرف من مودتك لنا أهل البيت ما استقبلتني بهذا، فقال له يحيى: إن الله جعلك من أهل بيت الحق والرحمة والبركة، الذين لا يعرف لهم ولا يقبل منهم إلا العمل بتقوى الله وطاعته، واعلم أن قرابتك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تزد حق الله عليك إلا عظماً ووجوباً، ولم تزد الناس إلا إنكاراً للمنكر ومعرفة لكل ما وافق الحق، فقال عبد الله: تنح عني، ثم تذمم عبد الله بن علي فقال: يا غلام، اذهب به إلى حجرتي، تخوفاً عليه، لأنه كان عليه قميص أبيض وعمامة، فقد سود الناس كلهم، فليس يرى على أحد شيء من البياض غيره، ثم قال عبد الله: يا غلام، اذهب بهذا العلم واركزه في داره، وناد: من دخل دار يحيى بن يحيى فهو آمن، فلم يقتل فيها أحد، ولا في الدار التي أجير من بها، وانحشروا فيها فسلموا.
[يحيى بن يزيد أبي حفصة]
مولى مروان بن الحكم كان ممدحاً، جواداً، شاعراً.
دخل يحيى على الوليد بن عبد الملك لما بويع بالخلافة بعد أبيه فهنأه وعزاه وأنشد:
إن المنايا لا تغادر واحداً ... يمشي ببزته ولا ذا جنه
لو كان خلق للمنايا مفلتاً ... كان الخليفة مفلتاً منهنه
بكت المنابر يوم مات وإنما ... بكت المنابر فقد فارسهنه