فأمر عمر بمديين من قمح، فطحنا، ثم عجنا، ثم خبزا، ثم أدمهما بقسطين من زيت، ثم أجلس عليهما ثلاثين رجلاً، فكان كفاك شبعهم. ثم أخذ عمر المديين بيمينه، والقسط بيساره، ثم قال: الله لا أحل لأحد أن ينقصهما بعدي، اللهم فمن نقصهما فانقص من عمره.
فغضب عبد العزيز وقال: إنك شيخ قد خرفت! ثم قال عمر بن الخطاب: هل من شراب؟ فقال: عندنا العسل لا يسيغ، وعندنا شراب نشربه من العنب. فدعا به عمر، فأتي به، وهو مثل الطلاء، طلاء الإبل، فأدخل عمر فيه اصبعه، ثم قال: ما أرى بهذا بأساً.
[أبو حرب اليماني المبرقع]
الذي زعم أنه السفياني. خرج على السلطان بفلسطين، ودعا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ثم قتل بناحية دمشق.
قال أبو جعفر الطبري: ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين. كان فيها من الأحداث: خروج أبي حرب المبرقع اليماني بفلسطين، وخلافه على السلطان.
ذكر لي بعض أصحابي ممن ذكر أنه خبر أمره أن سبب خروجه على السلطان كان لأن بعض الجند أراد النزول في داره وهو غائب عنها، وفيها إما زوجته، وإما أخته. فمانعته عن ذلك، فضربها بسوط معه، فاتقته بذراعها، فأصاب السوط ذراعها، فأثر فيها. فلما رجع أبو حرب إلى منزله بكت، وشكت إليه ما فعل بها، وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه. فأخذ أبو حرب سيف ومشى إلى الجندي وهو غار، فضربه حتى قتله، ثم هرب، وألبس وجهه برقعاً كيلا يعرف، فصار إلى جبل من جبال الأردن. وطلبه السلطان فلم يعرف له خبراً.