دخل الغضبان على الحجاج بن يوسف - وكان من علماء العرب - فجالسه وحادثه، فنظر إليه الحجاج مبتسماً فقال له: من الطويل
سموك غضباناً وسنك ضاحك ... لقد غلطوا إذ لم يسموك ضاحكاً
فقال: أصلح الله الأمير، كان لي جد يسمى الغضبان فسميت باسمه، وليس كل اسم يشاكل صاحبه. ولو كانت الأسماء تقسم على الأحساب إذاً ما نالت الأنذال منها شيئاً، فهل ترى اسمي تشاكل لحسبي؟ فقال الحجاج: أخبرني عن أمهات الأولاد؟ فقال هن بمنزل الأضلاع إن سويته انكسر، وإن تركته انتفعت بهن. وفيهن جوهر لا يصلح إلا على المداراة، فمن داراهن انتفع بهن، وقرت عينه، ومن ماراهن كدرن عيشه ونغصن عليه حياته. قال: فأخبرني عن العاقل والجاهل؟ قال: العاقل الذي لا يتكلم هدراً، ولا ينظر شزراً، ولا يضمر غدراً؛ والجاهل المهذار في كلامه، الضنين بسلامه، التائه على غلامه، المجتهد في أقسامه، المتكلم في طعامه، قال: فمن أكرم الناس؟ قال: أعطاهم للمئين، وأطعمهم للسمين. قال: فمن ألأم الناس؟ قال: المعطي على الهوان، المعين على الإخوان، البذول للأيمان، المنان على الإحسان.
بعث الحجاج بن يوسف الغضبان بن البعثري ليأتيه بخبر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وهو بكرمان، وبعث عليه عيناً وكان كذلك يفعل فلما انتهى الغضبان إلى عبد الرحمن قال له: ما وراءك؟ قال: شر، تغد بالحجاج قبل أن يتعشى بك. فانصرف الغضبان فنزل رملة كرمان، وهي أرض شديدة الرمضاء، فبينا هو كذلك إذ ورد عليه أعرابي من بني بكر بن وائل على فرسٍ يقود ناقة، فقال: السلام عليك، قال الغضبان: السلام كثير وهي كلمةٌ مقولة. قال الأعرابي: ما اسمك؟ قال: آخذ، قال: أفتعطني؟ قال: لاأحب أن يكون لي اسمان. قال: فمن أين أقبلت؟ قال: من الذلول، قال: وأين تريد؟ قال أمشي في مناكبها، قال: من عرض اليوم؟ قال: المتقون، قال: فمن سبق؟