نشترط، قال: نعم، فاشترطوا كنائسهم التي في أيديهم على أن يؤدوا خراجها وما لجأ إليها من طائر وصلمهم التي في كنيستهم الصلم: الخشبة التي يزعمون أن عيسى بن مريم صلب عليها، لم يقل صلبهم وسور مدينتهم. قال عياض: فإني أشترط أنا أيضاً. فاشترط عليهم أن يشاطرهم منازلهم وينزل فيها المسلمون، وعلى أن يحدثوا كنيسة إلا ما في أيديهم، وعلى ألا يرفعوا صليباً، ولا يضربوا بناقوس إلا في جوف كنيسة، وأن يقروا ضيف المسلمين يوماً وليلة، وعلى أن يحملوا راجل المسلمين من رستاق إلى رستاق، وعلى ألا يقروا خنزيراً بين ظهراني المسلمين، وعلى أن يناصحوا المسلمين فلا يغشوهم ولا يمالئوا عليهم عدواً، فمن وفى لنا وفينا له ومنعناه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، ومن انتهك شيئاً من ذلك، استحللنا سفك دمه، وسباء أهله وماله. فقالوا: اكتب بيننا وبينك كتاباً، فتورك عياض على فرسه. فلما فرغ قالوا: اشهد لنا، فكتب: شهد الله وملائكته، وكفى بالله شهيداً. ودفع الكتاب إليهم. فدخل في شرطهم جميع أهل الجزيرة. وأما الأرض ففيء للمسلمين، وأنتم عمالهم فيها. في هذا الخبر أن عمر بن الخطاب جعل أهل الجزية طبقات، ففرض على أغنيائهم مقداراً من الجزية، وعلى المتوسط منهم مقداراً متوسطاً، بين ما فرض على أعلاهم طبقة، وما جعله على أدونهم في الوجد منزلة. وظهر ذلك من فعله، واستفاض في الصحابة، فلو ينكر أحد منهم ولا خالف، ثم تلاه في ذلك أئمة العلم في الأمصار. وكان الشافعي يرى أن لا يتجاوز في قدر الجزية ديناراً وعدله.
[أبو المصبح المقرائي الأوزاعي]
قال أبو مصبح الحمصي: بينا نحن نسير بأرض الروم في صائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي، إذ مر مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله. فقال جابر: أصلح دابتي، واستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار. فأعجب مالكاً قوله، حتى إذا كان