ابن أوفى بن خارجة بن حمزة بن النعمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو العباس العذري حدث عن أحمد بن عبد الله الدمشقي بسنده عن السليط بن سبيع وكان من بني عامر قال: كنت تاجراً، وكان أكثر تجارتي في البحر، فركبت من ذلك إلى بلاد الصين فأتيت على راهب من رهبان الصين كان على دين عيسى بن مريم وكان مؤمناً فناديته: يا راهب، فأشرف من صومعته فقال: ما تشاء؟ قلت: من تعبد؟ قال: الذي هو خلقني وخلقك، قلت: يا راهب فعظيمٌ هو؟ قال: نعم يا فتى، عظيم في المنزلة، قد حوت عظمته كل شيء، لم يحلل بنفسه في الأشياء فيقال منها، ولم يعتزل فيقال ناءٍ عنها. قلت: يا راهب، فأين الله من محل قلوب العارفين؟ قال: يا فتى، إن قلوب العارفين لا تعزب عن الله بعد إذ علم أنها إليه مشتاقة. قلت: يا راهب، فما الذي قطع بالخلق عن الله؟ قال: حب الدنيا، لأنها أصل المعاصي ومنها تفجرت، ولم تصل بهم إلى إبطال تركها قلة معرفة. ولتركها ثلاث منازل: فأولها منزلة ترك الحرام من القول والفعل والعزائم، والرضا بما جل من ذلك أو دق حتى تطيع الله فيمن عصاه فيك، وتعتزل الصديق والعدو فعند ذلك تتفجر ينابيع الحكمة من قلبك، وتدع الهوى بنور الإيمان عليك.
والمنزلة الثانية: ترك الفضول من القول والمقال والمنال حتى ترحم من ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك، فعند ذلك تقاد بحلاوة طاعة الله عز وجل وبعزم الإرادة، وترتبط بحبل الطاعة.
والمنزلة الثالثة: ترك العلو والرئاسة، واختيار التواضع والذلة، حتى تصير مثل مملوك لسيده، وبامراج النظر تطلعت النفس إلى فضول الشهوات فأظلم القلب فلم ير جميلاً فيرغب فيه، ولا قبيحاً فيأنف منه، وبضبط النظر ذلت النفس عن فضول الشهوات فانفتح القلب فأبصر جميلاً يرغب فيه، وانكشف العقل فأبصر.