وأذنت لي بالدخول ولم تأذن له، فأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبرك. قال عمر: القصاص، قال فيروز: لا بد؟ قال: لا بد. قال: فجثا فيروز على ركبتيه، وقام الفتى ليقتص منه، فقال له عمر: على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيءٍ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة وهو يقول: قتل الظليمة الأسود العنسي الكذاب، قتله العبد الصالح فيروز الديلمي. أفتراك مقتصاً منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال الفتى: قد عوت عنه بعد إذ أخبرتني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا. فقال فيروز لعمر: أفترى هذا مخرجي مما صنعت، إقراري له وعفوه غير مستكره؟ قال: نعم. قال فيروز: فأشهدك أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفاً من ماي هبةٌ له، قال: عفوت مأجوراً يا أخا قريش وأخذ مالاً.
توفي فيروز الديلمي سنة ثلاثٍ وخمسين.
[الفيض بن الخصر بن أحمد]
ويقال الفيض بن محمد أبو الحارث التميمي الطرسوسي الأولاسي أحد الزهاد المشهورين، من قدماء المشايخ وجلتهم.
قال أبو الحارث الأولاسي: كنت في بعض مساجد دمسق جالساً، فدخل فقير عليه خلقان رثة، فركع وجلس، فدنوت منه وسلمت عليه، وكان معي قطيعة فذهبت فاشتريت بها عنباً وطرحته في زاوية المسجد فقلت له عند المغرب: تأكل من هذا العنب؟ فقال: دعه الساعة. فما زال يركع إلى عشاء الآخرة فلما صلى عشاء الآخرة قلت له: تأكل من هذا العنب؟ قال: وتحب ذلك؟ قلت: نعم. فأكل حبات ثم قال: أين تريد؟ قلت: الرملة. فقال: وتحب لأن نكون جميعاً؟ قلت: نعم. قال: فما زال عامة الليل يركع، ثم التفت إلي وقال: قم إن شئت. فقمت معه، وخرجنا من دمشق، وسرنا ساعة، وإذا بسرجٍ وبيوت، ونحن نسير بين أحمال تين، فقلت لبعض من يسير معنا: أيشٍ هذه السرج والبيوت؟ فقال: أيش حالك هذه الرملة! فالتفت أطلب صاحبي فلم أره.