قال أبو جعفر الحداد: إذا رأيت ضر الفقير في ثوبه فلا ترج خيره.
وقال أبو جعفر الحداد: كنت بمكة، فطال شعري، ولم يكن معي قطعة آخذ بها شعري، فتقدمت إلى مزين توسمت فيه الخير، وقلت: تأخذ شعري لله؟ قال: نعم وكرامة. وكان بين يديه رجل من أبناء، فصرفه، وأجلسني، وحلق شعري، ثم دفع إلي قرطاساً فيه دراهم، وقال: استعن بها على حوائجك. فأخذتها، واعتقدت أني أدفع إليه أول شيء يفتح علي. قال: فدخلت المسجد، فاستقبلني بعض إخواني، وقال: خذ صرة أنفذها بعض إخوانك من البصرة فيها ثلاثمائة دينار. قال: فأخذت الصرة، وحملتها إلى المزين، وقلت: هذه ثلاثمائة دينار تصرفها في بعض أمورك، فقال لي: ألا تستحي يا شيخ؟ تقول لي: احلق شعري لله، ثم آخذ عنه شيئاً. انصرف عافاك الله! قال أبو جعفر الحداد:
جئت الثعلبية وهي خراب، ولي سبعة أيام لم آكل، فدخلت القبة. وجاء قوم قراء يبكون، اصابهم جهد، وطرحوا أنفسهم على باب القبة، فجاء أعرابي على راحلة، وصب تمراً بين أيديهم، فاستقبلوا الأكل، ولم يقولوا لي شيئاً، ولم يرني الأعرابي. فلما كان بعد ساعة، فإذا الأعرابي جاء وقال لهم: معكم غيركم؟ فقالوا: نعم، هذا الرجل داخل القبة. قال: فدخل الأعرابي، وقال: أيش أنت؟ لم لم تتكلم؟ مضيت، فعارضني أن قد خلفت إنساناً لم تطعمه، ولم يمكني أن أمضي، وطولت علي الطريق، لأني رجعت عن أميال. وصب بين يدي التمر الكثير، ومضى. فدعوتهم، فأكلوا، وأكلت.