أمير دمشق من قبل المتوكل. كان سيىء السيرة. كان المتوكل قد ولى على أهل دمشق رجلاً من أصحابه يقال له: سالم بن حامد من العرب، فخرج من العراق في أربعة آلاف فارس وراجل من قومه وغيرهم، حتى إذا صار بدمشق وملكها أذل قوماً بها كان بينه وبينهم دم في أول أيام بني العباس وآخر أيام بني أمية، وكان لبني بيهس ولجماعة من قريش دمشق وسائر العرب من السكون والسكاسك وغيرهم قوةٌ، وعدة، ونجدة، وكلمة مقبولة، فلما رأوا كثرة تعدي سالم بن حامد، وجوره، وظلمه، وعتوه وثبوا عليه فقتلوه على باب الخضراء بدمشق في يوم جمعة، وقتلوا من قدروا عليه من أصحابه، وسلطوا الموالي على رحالهم وأموالهم فنهبوها، وبلغ ذلك المتوكل فقال: من للشام؟ وليكن في صولة الحجاج! فقيل له: أفريدون التركي، وكان أفريدون غلاماً من الأتراك الذين كانوا مع جعفر المتوكل شجاعاً سفاكاً للدماء، فدعا المتوكل بأفريدون وعقد له على دمشق، وولاه عليها، فسار إليها في سبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف راجل، وأطلق على المتوكل القتل بدمشق يوماً إلى ارتفاع النهار، وأباحه النهب ثلاثة أيام.
فسار أفريدون إلى دمشق، ونزل بقرية السكون والسكاسك: بت لهيا، فلما أصبح قال: يا دمشق! أيش لا يحل بك مني في يومي هذا؟ ثم دعا بفرسه ليركبه ويقال: بغلة دهماء فلما هم أن يضع رجله في الركاب ضربته بالزوج على فؤاده، فسقط من ساعته ميتاً، وخيت الله سعيه، وقطع أمله، فقبر ببيت لهيا، وقبره معروف إلى اليوم، وصار حديثاً ومثلاً، وانصرف العسكر راجعاً إلى العراق خائباً، لم يدخلوا دمشق حتى وافاها المتوكل بحسن نيةٍ، وإضمار الجميل من الفعل، فبنى بها قصراً في ناحية داريا ثم انصرف عنها، فقتله الأتراك بالعراق.