عليها، واشرب من ألبانها واجتزمن أصوافها وارفق بها، فإن فضل شيء فاردده علينا. فلما مضى رده، قال: أفهمت؟ قال: نعم، والموت أهون من هذا! قال: ولم كذبت؟ ولكن ترك الفخر أهون من هذا؛ ثم قال له: هل تدري لم سمي أبوك غنماً؟ إنه كان راعي غنم، فأنت خيرٌ من أبيك، ففعل به ذلك مرتين ثم قال: أفرأيت إن رددتك أتراه يكون فيك خير؟ قال: نعم والله يا أمير المؤمنين، فلا يبلغنك عني شيء بعد هذا. فرده فلم يبلغه عنه شيء إلا ما أحب حتى مات؛ وقال عمر: ما استخلفه أبو عبيدة إلا وهو صالح.
ومات عياض بن غنم بالشام سنة عشرين وهو ابن ستين سنة وفي هذه السنة مات بلال مؤذن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدمشق.
وقيل: مات عياض سنة ثلاثين وهو وهم.
[عياض بن مسلم الكاتب]
كان كاتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك، حبسه هشام بن عبد الملك، فضربه وألبسه المسوح، فلم يزل محبوساص حتى مات هشام؛ ولما ثقل هشام وصار في حد لا ترجى لمن كان في مثله الحياة، فرهقته عشية وظنوا أنه قد مات، فأرسل عياض بن مسلم إلى الخزان أن احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلن أحد إلى شيء. وأفاق هشام من غشيته، فطلوا من الخزان شيئاً فمنعوهم فقال هشام: أرانا كنا خزاناً للوليد. ومات هشام من ساعته، فخرج عياض من الحبس، فختم على الأبواب والخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن فكفنه غالب مولى هشام، ولم يجدوا قمقماً يسخن فيه الماء حتى استعاروه، فقال الناس: إن في هذا لعبرةٌ لمن اعتبر.