غدرت به لما ثوى في ضريحه ... كذلك ينسى كل من يسكن اللحدا
فانتبهت مرتاعة، مستحيية منه، كأنه بات معها في البيت، وأنكر ذلك من حضرها من نسائها، فقلن: ما دهاك؟ فقالت: ما ترك غسان لي في الحياة إرباً، ولا بعده رغبة في سرور، أتاني في منامي الساعة فأنشدني كذا وكذا. وهي تبكي بدمع غزير، فلما سمعن منها، أخذن في حديث آخر لتنسى ما هي فيه، فتغافلتهن، ثم قامت فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها حياء مما كادت تركب بعده من الغدر به. فقالت امرأة منهن: بلغنا أن امرأة أتاها زوجها في المنام فلامها وأنبها في مثل هذا، فأما القتل فما سمعنا به، وكانت قائلة هذا صاحبة شعر ورجز فقالت: من المجتث
ماذا صنعت وماذا ... لقيت من غسان
قتلت نفسك حزناً ... يا خيرة النسوان
وفيت من بعد ما قد ... هممت بالعصيان
إن الوفاء من الل ... هـ لم يزل بمكان
فلما بلغ زوجها، ويقال له المقدام بن حبيش وكان أعجب بها فقال: ما كان لي مستمتع بعد غسان، وقال: هكذا فليكن النساء في الوفاء، وقل من يحفظ ميتاً، وإنما هي أيام قلائل حتى ينسى وعنه يسلى فقال هشام: صدق وبر، لجاد ما أدركه عقله، وحسن عزاؤه حين فاتته طلبته، وأحسنت المرأة ووفت، وأحسن الرجل وصبر.
[شيخ من الشام]
كان في صحابة هشام بن عبد الملك. سأله أبو جعفر المنصور عن تدبير هشام في بعض حروبه للخوارج، فوصف الشيخ له فقال: فعل رحمه الله كذا، وصنع رحمه الله كذا، قال له المنصور: قم، عليك لعنة الله، تطأ بساطي، وتترحم على عدوي؟ فقام وهو يقول: إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي. فقال له المنصور: ارجع يا شيخ. فرجع فقال: أشهد أنك نهيض