استرزق الله خيراً وارضين به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار رمساً تعفيه الأعاصير
كأنه لم يكن إلا لتذكرة ... والدهر أهلكنا منه الدهارير
[رجل شاب من غسان]
قال الشعبي: كان أول من سمر من الخلفاء، واتخذ له أقوام معاوية، وكان ملك الروم في زمانه فوق بن مورق بن هرقل بن قيصر بن فوق بن مورق بن الأصفر، وكان معاوية يقول: ما أردت في الشام شيئاً قط إلا ظننت أنه معي، وكان ملك الروم يقول مثل ذلك. فسمر معاوية ليلة ثم أوى إلى فراشه فأرق فامتنع منه النوم فأراده فلو يستطعه حتى أسحر، فسمع أصوات النواقيس فآذته، فلم يزل يتململ حتى أصبح، فلما صلى الفجر وجلس أمر منادياً فنادى: من يبيعني نفسه؟ فقال شاب من غسان: أنا يا أمير المؤمنين. قال: بكم؟ قال: ثلاث ديات: دية لي، ودية أخلفها لأهلي، ودية أشتري لهم بها ضيعة. فأعطاه أربعة آلاف دينار، ثم قال: قد أجلتك ثلاثاً فتهيأ وافرغ من حوائجك ثم ائتني. ففعل، فإذا كتاب بين يدي معاوية إلى ملك الروم فقال: انطلق بهذا إلى ملك الروم، فتدخل عليه وهو جالس على سريره وبطارقته حوله وتاجه على رأسه، فإذا عاينته فضع كتابك وأدخل أصبعيك في أذنيك، فأذن وقل: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، حتى تفرغ. فخرج الغساني حتى دخل عليه، وتاجه على رأسه، وبطارقته عنده، فوضع الكتاب ورفع صوته بالأذان، فانتضوا سيوفهم وأقبلوا نحوه، فوثب عن سريره يخصر حتى حال بينهم وبينه. قال: فاستدبرني واستقبلهم ثم قال: أف لكم، كنت أظنه يقاس برأيكم فإذا رأيكم قد عجز عنكم، ارجعوا، فما رجعوا إلا بعد شر، فلما رجعوا إلى مجالسهم قال: أتدرون ما قصة هذا؟ قالوا: لا. قال: تجدون معاوية أرق فسمع أصوات النواقيس فآذته، وقد علم أن النصارى بالشام لهم أنصاف منازل