فيطلبه في منزله فيقول: أين أخي فلان؟ فيقول له أهله: ليس هاهنا، فيقول: غدونا، عشونا. أعطوني ثوبه. أسرجوا لي دابته، فيفعلون ذلك به، فيأتي الرجل فيقول له أهله: قد جاء أخوك فلان. غديناه، عشيناه، أسرجنا له دابتك، أعطيناه ثيابك، فلا يقع في قلبه إلا كما قيل: جاء أبوك وأخوك وعمك، فعلنا به ذلك. فذلك الصديق.
ضعفه قوم. وقال يحيى بن معين: هو صالح الحديث.
[صدقة بن يزيد]
قال صدقة بن يزيد: نظرت إلى ثلاثة أقبر على شرف من الأرض بناحية طرابلس - وقيل: أنطابلس - أحدها مكتوب عليه: الطويل
وكيف يلذ العيش من هو موقنٌ ... بأن المنايا بغتةً ستعاجلُهْ
وتسلبُه ملكاً عظيماً ونخوةً ... وتسكنه البيت الذي هو آهلهْ؟
وعلى القبر الثاني:
وكيف يلذُّ العيش من هو عالمٌ ... بأن إلهَ الخلقِ لابدّ سائلُهْ
فيأخذ منهُ ظلمَه لعباده ... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله؟
وعلى القبر الثالث:
وكيف يلذُّ العيشَ مَن هو صائرٌ ... إلى جدثٍ تُبلي الشباب منازلُهْ
ويذهبُ حسنُ الوجهِ من بعد ضوئه ... سريعاً ويبلي جسمه ومفاصله؟
وإذا هي قبور مسنمة على قدر واحد جنبها إلى جنب بعض. فنزلت قرية بالقرب منها فقلت لشيخ بها: لقد رأيت عجباً. قال: وماذاك؟ قلت: هذا القبور. قال: حديثها أعجب مما رأيت عليها. قلت: فحدثني. قال: كانوا ثلاثة إخوة: واحد يصحب السلطان، ويؤمَّر على الجيوش والمدن. وأخر تاجر موسر مطاع في تجارته. وآخر زاهد قد تخلى وتفرد لعبادة ربه. فحضرت العابد الوفاة، فأتاه أخوه صاحب السلطان - وكان عبد الملك بن مروان قد ولاّه بلادنا - وأتاه