قال عيسى بن يزيد: دخل خيار بن أوفى النهدي على معاوية فقال: ما صنع بك الدهر؟ قال: ضعضع قناتي، وشتت سراتي، وجرأ علي عداتي. قال: فأنشدني ما قلت في الخمر والنهي عنها؟ فقال:
أنهد بن زيد ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوها إنني غير فاعل
فإني وجدت الخمر شيناً ولم يزل ... أخو الخمر حلالاً شرار المنازل
فكم قد رأينا من فتىً ذي جهالة ... صحا بعد أزمان وطول تجاهل
ومن سيد قد قنعته خزاية ... فعاد ذليلاً ضحكة في المحافل
فلله أقوام تمادوا بشربها ... فأضحوا وهم أحدوثة في القوافل
فقال معاوية: صدقت والله، لكم من سيد أدمنها فتركته ضحكة وأحدوثةً، ومن ذي رغبة فيها قد صحا عنها فصار سيد قومه وعزهم، والله ما وضع شيء قط الرجل كما وضعه الشراب، والله لهي الداء العياء؛ وما رأيت كذي عقل شربها أو رأى من شربها فعاد لشربها وقد علم ما فيها من العار والشنار؛ وإنها لهي الداعية إلى كل سوأة، والحاملة على كل بلية، والمحسنة لكل قبيح، وما هي بأكرومة، وما يريد الله بها خيراً؛ وإنها لتورث الفقر والفاقة، وتحمل على العظيمة، وتزري بالكريم.