عن غير واحد، أن سبب ولاية هشام بن عبد الملك الأسود بن بلال غازية البحر أن والي دمشق ولى الأسود بن بلال مدينة بيروت من ساحل دمشق لمكان أم الأسود عند سليمان بن حبيب القاضي، فأغارت الروم على سفن من التجار مرسية بنهر بيروت، فذهبت بها ومرت بها على باب ميناء بيروت، وأهلها ممسكون بأيديهم هيبة لهم، فصاح الأسود بهم وركب قوارب فيها، حتى استنقذ تلك المراكب وقتل منهم، وكتب إلى هشام، فكتب هشام إلى الأسود بولايته على البحر، فلم يزل يحمد حزمه وعزمه وصنع الله له حتى توفي هشام، فأقره الوليد بن يزيد حتى قتل، وولي يزيد بن الوليد، فعزله وولاه الأردن، وولى غازية البحر المغيرة بن عمير.
قال الليث: وفيها يعني سنة عشرين غزا الأسود بن بلال على الجماعة، وفي سنة إحدى وعشرين غزا حفص بن الوليد البحر، وكان بالساحل حتى قفل منه، والأسود بن بلال على الجماعة فلم يخرجوا، وفي سنة اثنتين وعشرين ومئة غزا حفص بن الوليد البحر على أهل مصر، وعلى الجماعة أسود بن بلال فضلوا من إسكندرية فأصابوا إقريطش فبلغوا الجمع فهزمهم الله، ووطنوا إقريطش وأصابوا منها رقيقاً.
وفيها يعني سنة خمس وعشرين ومئة غزا الأسود بن بلال البحر وعلى أهل مصر عياش بن عقبة، غزوا إلى قبرس فأجلوها إلى الشام.
قال ابن بكير: أمر يعني الوليد بن يزيد على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرس فيخيرهم فإن أحبوا ساروا إلى الشام، وإن شاؤوا ساروا إلى الروم، فاختار طائفة منهم جوار المسلمين، فنقلهم الأسود إلى الشام، واختار آخرون أرض الروم فانتقلوا إليها.
[أسود بن قطبة أبو مفرز التميمي]
شاعر مشهور، شهد اليرموك والقادسية، وغيرهما من المشاهد، وقال في ذلك أشعاراً يعد بلاءه وبلاء قومه.
قال في يوم اليرموك ثم شهد القادسية: من الطويل
قد علمت عمرو وزيد بأننا ... نحل إذا خاف العشائر بالسهل
نجوب بلاد الأرض غير أذلةٍ ... بها عرض ما بين الفرات إلى الرمل
أقمنا على اليرموك حتى تجمعت ... جلابب روم في كتائبها العضل
نرى حين نغشاهم خيولاً ومعشراً ... وأسلحة ما تستفيق من القتل
شفاني الذي لاقى هرقل فرده ... على رغمه بين الكتائب والرجل
قتلناهم حتى شفينا نفوسنا ... من القادة الأولى الرؤوس ومن حمل
نعاورهم قتلاً بكل مهندٍ ... ونطلبهم بالذحل ذحلاً على ذحل
وقال أبو مفرز التميمي أيضاً: من الطويل
ألم تعلمي والعلم شاف وكافي ... وليس الذي يهدي كآخر لا يهدي
بأنا على اليرموك غير أشابةٍ ... غداة هرقل في كتائبه يردي
وأن بني عمرو مطاعين في الوغى ... مطاعيم في اللأواء أنصبة الجهد
وكم فيهم من سيد ذي توسع ... وحمال أعباء وذي نائل قهد
ومن ماجد لا يدرك الناس فضله ... إذا عدت الأحساب كالجبل الشد