وإن امرءاً يأتي له الحول لا يرى ... من النّاس إلاّ الأبعدين وحيد
عن العتبيّ، عن أبي خالد، عن أبيه، قال: قال أبي: وصيّتني إيّاك بما أوصاني به مولاك؛ كنت وصيفاً لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فأسلمني في المكتب، فلمّا حذقت وتأدّبت ألزمني خدمته، فقال لي يوماً: يا أبا يزيد. فالتفتّ يمنةً وشامةً أنظر من يعني. فقال: إيّاك أعني؛ إنّا معاشر قريش لا ندعو موالينا بأسمائهم، إنك أمس كنت لي. وأنت اليوم منّي، وإن النّاس لا ينسبون إلى آبائهم بولادتهم إيّاهم، ولكن ينسبون إليهم بحكم الله فيهم؛ ألا ترى لو أن رجلاً أولد امرأةً من غير حلّ لم يكن ولدها له ولداً؟ فلمّا كان المولود بحكم الله من أبيه كان المولى من أقاربه بحكم رسول الله، فاستدم النّعمة عليك بالشّكر عليها منك.
عن سفيان بن عمرو بن عتبة، قال: لمّا بلغت خمس عشرة سنةً قال لي أبي: أي بنيّ، قد انقطعت عنك شرائع الصّبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه كله، ولا يغرّنّك من اغتّر بالله فيك فمدحك ما تعلم خلافه من نفسك، واعلم أنه يا بنيّ لا يقول أحد من الخير مالا يعلم إذا رضي إلاّ قال فيه مثله من الشّرّ ما ليس فيه إذا سخط؛ فاستأنس بالوحدة من جلساء السّوء تسلم من عواقبهم، ولا تنقل حسن ظنّي بك إلى غيره.
قال سفيان: فما زال كلام أبي لي قبلةً أنتقل معها ولا أنتقل عنها؛ وما شيء أحمد مغبّةً من ناصح معروف نصحه.
[عمرو بن عتبة بن عمارة بن يحيى]
ابن عبد الحميد بن محمد بن عمرو بن عبد الله بن رافع بن عمرو أبو الحسن الطّائيّ الحجراويّ، من أهل قرية حجرا وكان عمرو من المعمّرين.