عن العتبيّ، عن أبيه، قال: لمّا قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان ما كان يجريه عليهم، لمّا غضب على خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب، وبعضه فادح لنا، ولنا مع حقّك حقّ عليك بإكرام سلفنا إيّاك، فضعنا منك حيث وضعتنا الرّحم، وانظر إلينا بحيث نظر إليك سلفنا. فقال عبد الملك: أمّا من استعصى عطيّتنا فسنعطيه، وأمّا من ظنّ أنه مستغن عنّا فسندعه في نفسه. وردّ عليه وعلى ولد أبيه ما كان يجريه عليهم وأقطعه قطيعةً. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهدّدني عبد الملك؟؟؟؟؟؟! يد الله فوق يده باسطة، وعطاؤه دونه مبذول، فأمّا عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مّما أخذ لها.
عن العتبيّ، عن أبيه، عن أبي خالد، قال: قدم محمد بن عمير بن عطارد البصرة، فاستزاره عمرو بن عتبة، فقال له محمد بن عمير: يا أبا سفيان، ما بال العرب يطيلون الكلام في حال ويقصّرونه في حال وخاصةً قريش؟ قال عمرو: يا هذا، بالجندل يرمى الجندل؛ إن كلامنا كلام يقلّ لفظه ويكثر معناه، ويكتفى بأولاه ويشتفى بأخراه، يتحدّر تحدّر الزّلال على الكبد الحرّى، ولقد نقصوا كما نقص غيرهم، بعد أقوام والله أدركتهم سهلت لهم ألفاظهم كما سهلت لهم أخلاقهم، وصاروا حديثاً حسناً، عاقبته في الآخرة أحسن؛ ولله درّ مادحهم حيث يقول: من الخفيف
وضع الدّهر فيهم شفرتيه ... فمضى سالماً وأضحوا شعوبا
شفرتان أدهشتا والله من كان قبلهم، فأذهبت أبدانهم وأبقت آثارهم؛ فيا موعوظاً بمن كان قبله وموعوظاً به هو آت بعده، اربح نفسك إذ خسرها غيرك؛ ثم أنشد: من الطويل
إذا غاب رهط المرء غاب نصيره ... وأطرق وسط القوم وهو جليد
وأكثر غضّ الطّرف دون عدوّه ... فأغضى وطرف العين منه حديد