لما صار أبو جعفر الخليفة إلى الرقة دعا بعبد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فضرب عنقه، وصلبه. وكانت امرأة عبد الله بن معاوية صفية بن إسحاق بن مسلم العقيلي. فلما فعل ذلك بزوجها أتت أباها إسحاق بن مسلم - وكانت له من أبي جعفر ناحية، وكان من خاصته - فقالت: يا أبه. قد فعل بصهرك ما ترى، وإنه يسمج بك أن يمر المارّ فيرى سوءته على الخشبة باديةً، فقال لها: تريدين ماذا؟ قالت: تُكلم أبا جعفر يهبه لك فننزله فندفنه. قال: مالي إلى ذلك سبيل. قال: فلما أبى عليها، وجنّها الليل أخذت جورايها وكساء خز ثم أتت الخشبة فوضتها بالأرض، ثم أخذته فأدرجته في الكساء ثم حملته جواريها حتى أتت به منزلها فحفرت له تحت فراشها ثم دفنته، ورّت الفراش مكانه. فلما أصبح أبو جعفر وفُقد عبُد الله قيل له فيه، وأخبر بذهابه، فجمع أبو جعفر وجوه أهل الرقة وأشرافهم، ثم أعطى الله عهداً لئن لم تجيئوني بخبر عبد الله بن معاوية لأضربن رقابكم. قال: وجعل جُلّ نظره وكلامه إلى إسحاق بن مسلم، فخرجوا من عنده، وقد طارت عقولهم، فأتى إسحاق بن مسلم ابنته فقال: أي بُنَيّة، إنه قد كان من أمر أبي جعفر كيت وكيت، وقد حمل علي من بينهم، واتهمني في جسده لسمع كلامك، هو تحت الفراش، وأخبرته خبره والذي صنعت، فلما كان من الغد غدا أشراف أهل الرقة، ولا يشكون في القتل. فلما دخلوا عليه جثا إسحاق بن مسلم بين يدي أبي جعفر فأخبره خبره، وبما صنعت ابنته. فلما فهم قوله قلب وجهه عنه وصرف حديثه إلى غيره، وتركه وأصحابه، ولم يعرض لعبد الله ولا لامرأته.