البارقية الكوفية قدمت على معاوية، وحاورها محاورة تدل على فصاحتها وجزالتها.
عن الشعبي قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية برحلة محمودة الصحبة، غير مذمومة العاقبة، واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً، وبالشر شراً.
فلما ورد الكتاب عليه ركب إليها، فأقرأها إياه. قالت: أما أنا فغير راغبة عن طاعة، ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تلجلج مني بمجرى النفس، يغلي بها صدري غلي المرجل بحب البلس يوقد بجزل السمر.
فلما قدمت على معاوية أنزلها بيتاً مع الحرم ثلاثة أيام، ثم أذن لها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام، وبالرغم منك دعوتني بهذا الاسم، قالت: مه يا هذا، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه، فقال: صدقت، كيف حالك، وكيف رأيت مسيرك؟ قالت: لم أزل في عافية وسلامة حتى أدتني إلى ملك جزل، ذي عطا، بذل، فإنا في عيش أنيق، وعند ملك رفيق. فقال معاوية: بحسن نيتي والله ظفرت بكم، وأعنت عليكم. قالت: مه يا هذا، والله لك من دحض المقال ما تردى عاقبته. قال: ليس لهذا أردناك، قالت: إنما أجري في ميدانك، إذا أجريت شيئاً أجريته؛ فسل عما بدا لك. قال: كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر؟ قالت: لم أكن والله رويته قبل، ولا رويته بعد، وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة، فإن شئت أحدثت لك مقالاً غير ذلك، قال: لا أشاء، ثم التفت إلى بعض أصحابه فقال: أيكم يحفظ كلام أم الخير؟ فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير