بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعارف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب إلى الماء، ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء يتتبع به، وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن يتثبت في قراءته، فإذا فرغ منه تناول فرسه ونبله وخرج إلى العرض حافياً فرمى سبعة أرشاق ثم انصرف إلى القائلة، فإن ابن مسعود كان يقول: يا بني، قيلوا فإن الشياطين لا تقيل. والسلام على من اتبع الهدى.
[سهم بن خنبش أبو خنبش]
ويقال أبو خنيس الأزدي وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدث بقصة أهل الدار وقتل عثمان، وكان قد شهده.
حدث أن ركب الأشقياء من أهل مصر أتوه قبل ذلك، فأجازهم وأرضاهم فانصرفوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق انصرفوا، فخرج عثمان فصلى إما صلاة الغداة وإما صلاة الظهر، فحصبه أهل المسجد وقذفوه بالحصا والنعال والخفاف، فانصرف إلى الدار ومعه أبو هريرة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم والمغيرة بن الأخنس في أناس، فكانوا يطوفون على البيوت، فإذا هم بركب الأشقياء قد دخلوا المدينة وأقبل ناس حتى قعدوا على باب الدار ومعهم وعليهم السلاح فقال عثمان لغلام له يقال له وثاب: خذ مكتلاً من تمر والمكتل معه، فانطلق به إلى هؤلاء القوم، فإن أكلوا من طعامنا فلا بأس بهم، وإن أشفقت منهم فارجع، فانطلق بالمكتل فلما رأوه رشقوه بالنبل، فانصرف الغلام وفي منكبه سهم، فخرج عثمان ومن معه إليهم، فأدبروا وأدركوا رجلا يمشي القهقرى، قال: فأخذناه فأتينا به عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، والله، ما نريد قتالك وكنا نريد معاتبتك، فأعتب قومك وأرضهم، فأقبل على أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، فلعلهم ذلك يريدون فخلوا سبيله. قال: فخلينا سبيله، وخرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: الله الله يا عثمان في دماء المؤمنين فانصرف إلى الدار.