له: رحمك الله، أنت في سنك وعملك ومحلك من أمير المؤمنين تنادم كلباً؟! فقال: دعني منك، إن هذا خلف من قرناء السوء، وهو مع هذا يصبر على قليلي وكثيري، ويحفظني في مغيبي ومشهدي، ويرفع أذاه وأذى غيره قال: فوصفه بصفة حتى تمنى أنه كلب. ثم أنشد فيه شعراً: من الخفيف
ونديم كان مهجة النف ... س تخيرته على حالتيه
عنده الحلم في المجالس والطا ... عة أكرم به لدى خلتيه
وهو دان إذا دنوت وإن غب ... ت رعاني مكانتي حافظيه
إن تناولت عرضه أو تقرب ... ت فسيان ذا وهذا لديه
أقمر أزرق كأن سراجي ... ن يضيئان في سنا مقلتيه
يشرب الكأس إن أمرت وإلا ... لم يكلح بسقطة عطفيه
مطرق تارة وأخرى يراعي ... نبوةً للعدو عن جانبيه
إن تغيبته أشاح وإلا ... لم يزل ملهياً لها مسمعيه
وإذا قمت للصلاة أو الحا ... جة لم أجل عن مدى نابيه
فهو خل وصاحب ونديم ... وهو دانٍ إذا دنوت إليه
[أبو العباس الوراق الدمشقي]
حدث عن الجنيد قال: سمعت محمد بن أبي الورد يقول: في ارتفاع الغفلة ارتفاع العبودية، ثم الغفلة غفلتان: غفلة رحمة، وغفلة نقمة. فأما التي هي رحمة، فلو كشف الغطاء، وشهد القوم العظمة، ما انقطعوا عن العبودية، ومراعاة السر. وأما التي هي نقمة، فهي الغفلة التي تشغل العبد عن طاعة الله بمعصيته.