قال السائب بن يزيد: بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق الحج، ونحن نؤمّ مكة اعتزل عبد الرحمن بن عوف الطريق، ثم قال لرباح بن المغترف: غنّنا يا أبا حسان - وكان يحسن النصب - فبينا رباح يغنيهم أدركهم عمر بن الخطاب في خلاته فقال: ما هذا؟! فقال عبد الرحمن: ما بأس بهذا، نلهو ونقصّر عنا سفرنا، فقال عمر: فإن كنت آخذاً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب.
ضرار بن ضَمْرة الكناني
وفد على معاوية: قال أبو صالح: دخل
ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له: صف لي علياً، فقال: أو أعفيتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك، فقال له: إذ لا بدّ فإنه كان - والله - بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يشتوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته. كان - والله - غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشَبه. كان - والله - كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إلى سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له. فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم. يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا يأيس الضعيفُ من عدله. فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يتمثل في محراب قابضاً على لحيته، يتململ تملمُل السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا: إليَّ تعرضت أم لي تشوّفت؟ هيهات هيهات، غُرِّي غيري، قد بَتَتُّكِ ثلاثاً، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة