كنت في مسجد باب الصغير أخدمه، وكان الغرباء يبيتون فيه، ويقولون: من عجائب الدنيا قيّم مسجد حسن الخلق، وكان جماعة من العاميين يقولون: إذا رأيت من هؤلاء الغرباء إنساناً لا يتبذل فأعلمنا به، فكنت إذا رأيت من يكون بهذه الصفة أعلمتهم به، فيدخلون عليه رفقاً. فجاء في بعض السنين رجل مستور لا يتبذل، ولا يخرج من المسجد، فأعلمتهم به، فعرضوا عليه شيئاً فأبى أن يقبله، وسمعني يوماً أقول: أشتهي أن أزور القدس لو أن لي من يحملني إلى الرملة، فقال لي: أنا أحملك. فلما صلينا العشاء الآخرة قال لي: أنت على النية؟ قلت: نعم، قال: بسم الله، فخرجت إلى السوق فأخذت عنب سماقي وجبن ستبري ووصّيت بالمسجد، وخرجت معه، فأخذ بي نحو الوطاء وقال: طأ موضع قدمي، ففعلت، فسرنا إلى أن انفجر الصبح، فغاب عني، فصحت به، فلم يجبني أحد، فأخذت أطبق عليه فأقول: هؤلاء الغرباء من حالهم، أخرجني من بلدي وذهب، وتركني، وفي ظني أني في بعض الضياع. فلما أكثرت الكلام فإذا رجل يقول: إيش أنت؟ فقلت: من أهل دمشق، وقصصت عليه قصتي فقال: يا هذا، تدري أين أنت؟ قلت: لا، قال: أنت في سرب الحمام تدّعي أنك البارحة خرجت من دمشق، أين ذهب عقلك؟ فقلت: يا هذا، معي علامة، فأخرجت ما كان معي من الطعام، فعلم أن ذلك لا يكون إلا بدمشق، فقال لي: هذا من أولياء الله، فزرت القدس، فإذا صاحبي فسلّم علي وقال: يا هذا، كم تشنع عليّ! ألم نقل: كنت أشتهي أن أصل إلى الرملة، قد وصلناك، ودفع لي صرّة اشتريت بها هدية، وكانت مباركة، حججت، وبقيتها بعد معي.