مولى الرشيد أبو المهنا، المطرب قدم دمشق مع المأمون.
حدث مخارق، قال: خدمت إبراهيم الموصلي حيناً، لا يزيدني على قباء وسراويل، فقلت له يوماً: قد بلغت من هذه الصناعة ما يناله مثلي، وقد رايتك تصف السلطان وأتباعه من هو دوني، فإن كنت قد أديت لك ما يحب لك علي فانظر لي. فقال: إذا قعد أمير المؤمنين وصفتك له. فحضر مجلس الرشيد فوصفني له، فأمر بإحضاري؛ فلما انصرف قال لي: قد ذكرتك له.
قال: ثم دعا بثياب فقطع لي، ودفع إلي منطقة، ومضيت معه؛ فلما دخلنا مجلس الخليفة، وكان إذا جلس قعد على سرير وضرب بينه وبينهم ستارة، فإذا طرب دعا من يريد فأدخله وراء الستارة فأقعده معه؛ فلما أخذ المغنون والندماء مجالسهم قال لابن جامع: يا بن جامع، ما صنعت لي من الغناء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد صنعت صوتاً ما صنع أحد مثله وما سمعه مني أحد. قال: فاندفع يغني: من البسيط
أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتاً يوافق نعتي بعض ما فيها
قال مخارق: فأعجب به - والله - إعجاباً شديداً، وأنا واقف على باب البيت، ورأيت إبراهيم قد استرخت يداه مما دخل قلبه من الزمع، وكان - والله - هذا الصوت مما يدور في حلقي وطبعي، فتمنيت أن يعيده. فقال له هارون: أعده؛ فأعاده، فأخذته. فقلت: إن أعاده الثالثة استوى لي، وكنت أحدق به منه؛ فاستعاده ثالثة ورابعة، وما استتم الرابعة حتى سقط العود من يد إبراهيم، وحانت منه التفاتة، فنظر إلي، فأومأت