حدث جماعة، دخل حديث بعضهم في حديث الآخر: أن المغيرة بن شعبة قال لزياد، وهو بفارس وجهه إليه معاوية: أبا المغيرة، خذ لنفسك من هذا الرجل. قال: أشر علي، فإن المستشار مؤتمن. قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله، وتصل حبلك بحبله، وتعير الناس منك أذناً صماء. قال: قلت ما لا يكون يا بن شعبة، مغرس في غير منبته، لا عرق يسقيه، ولا مدرة له تغذوه، وقد قال زهير: من الطويل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل
ثم قدم زياد بن معاوية، فجرى بينهما الصلح، وضمن لمعاوية أربعة آلاف ألف فحملها إليه، وأبرأه معاوية من كل مالٍ أصابه، وشخص زياد إلى الكوفة، فكتب إليه معاوية يعرض له بالدعوة فأبى، ثم قدم عليه الشام، فأراده معاوية على الدعوة فقال زياد: كيف! وقد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فحرامٌ عليه أن يراح رائحة الجنة، وقد ولدت على فراش عبيد؟ فقال معاوية: والله إنك لابن أبي سفيان، فنفر من ذلك زياد، فكف عنه معاوية، ثم عاوده فكلمه فيه فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا لا يصح إلا بشهادة قائمةٍ طاهرةٍ، وأمر واضح يثبت به النسب، فقال معاوية: إن من يقوم بهذا ويعلمه، ويشهد به غير واحد. قال: من يقول ذلك؟ قال: جويرية بنت أبي سفيان، فادخل عليها: فقد أخبرتني أنها سمعت أبا سفيان يقول: زياد ابني. فدخل عليها زياد، فقالت: يا أخي، أنت والله ابن أبي سفيان، أشهد على أبي لسمعته غير مرةٍ يقول: إن زياداً ابني. فرجع إلى معاوية فقال: أتزوج بني