كيف عملت فيما علمت؟ فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة، فيسألني فريضتها، فتشهد علي الآمرة أني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة أني لم أنته، أفأترك؟
[حويطب بن عبد العزى]
ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر أبو محمد ويقال: أبو الإصبع القرشي العامري له صحبة، أسلم عام الفتح.
قال حويطب: قدمت من عمرتي فقال لي أهلي: أعلمت أن أبا بكر بالموت؟ فأتيته في ثياب سفري فأجده لما به، فقلت: السلام عليك، فقال: وعليك، وعيناه تذرفان، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت أول من أسلم وثاني اثنين في الغار وصدقت هجرتك، وحسنت نصرتك، ووليت المسلمين فأحسنت صحبتهم، واستعملت خيرهم، قال: وحسن ما فعلت؟ قال: نعم. قال: قال: فإنا لله، والله أشكر له، وأعلم، ولا يمنعني ذلك من أن أستغفر الله، فما خرجت حتى مات.
حدث حويطب بن عبد العزى أن عبد الله بن السعدي أخبره: أنه قدم على عمر بن الخطاب في خلافته فقال له عمر: ألم أخبر أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً فإذا أعطيت العمالة رددتها؟ قال: نعم، فقال: وما تريد إلى ذلك؟ قال: إني غني، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، قال: فلا تفعل، فإني قد كنت أردت مثل الذي أردت، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطيني فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: خذه وتصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك.
وحويطب هو الذي افتدت أمه يمينه، وكان ممن دفن عثمان بن عفان.
ومات في آخر مان معاوية بن أبي سفيان بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن مئة وعشرين سنة، وأمه زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن منقذ.
حدث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر حزم: أنه سئل عن الرهان التي كانت بين قريش حين سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خيبر. فقال: كان حويطب بن عبد العزى يقول: انصرفت من صلح الحديبية وأنا مستيقن أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيظهر على الخلق، وتأبى حمية الشيطان إلا لزم ديني.
فقدم علينا عباس بن مرداس السلمي، فخبرنا أن محمداً سار إلى خيابر، وأن خيابر قد جمعت الجموع، فمحمد لا يفلت، إلى أن قال عباس: من شاء بايعته لا يفلت محمد، فقلت: أنا أخاطرك. فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس، وقال نوفل بن معاوية: أنا معك يا عباس، وضوى إلى نفر من قريش، فتخاطرنا مئة بعير إلى مئة بعير، أقول أنا وحيزي: يظهر محمد، ويقول عباس وحيزه: تظهر غطفان.
فاضطرب الصوت، فقال أبو سفيان بن حرب: نحب، واللات، حيز عباس بن مرداس، فغضب صفوان، وقال: أدركتك المنافية، فأسكت أبو سفيان، وجاءه الخبر بظهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ حويطب وحيزه الرهن.
حدث المنذر بن جهم قال: قال حويطب بن عبد العزى:
لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عام الفتح، خفت خوفاً شديداً فخرجت من بيتي، وفرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها، ثم انتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه، فإذا أنا بأبي ذر العفاري وكان بيني وبينه خلة، والخلة أبداً نافعة.
فلما رأيته هربت منه، فقال: أبا محمد؟ قلت: لبيك، قال: مالك؟ قلت: الخوفز قال: لا خوف عليك تعال، أنت آمن بأمان الله، فرجعت إليه، وسلمت عليه فقال لي: اذهب إلى منزلك، قال: فقلت: وهل لي سبيل إلى منزلي؟ والله ما أراني أصل إلى بيتي حياً حتى ألفى فأقتل، أو يدخل علي منزلي فأقتل فإن عيالي لفي مواضع شتى، قال: فاجمع عيالك معك في موضع، وأنا أبلغ معك منزلك، وبلغ معي وجعل ينادي على بابي: إن حويطباً آمن فلا يهيج.
ثم انصرف أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: أوليس قد آمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله؟! قال: فاطمأننت ورددت عيالي إلى مواضعهم، وعاد إلي أبو ذر فقال: يا أبا محمد حتى متى وإلى متى؟ قد سبقت في المواطن كلها، وفاتك خير كثير، وبقي خير كثير، فأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم تسلم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبر الناس، وأوصل الناس، وأحلم الناس، شرفه شرفك، وعزه عزك.
قال: قلت: فأنا أخرج معك فآتيه، قال: فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبطحاء، وعنده أبو بكر وعمر، فوقفت على رأسه، وقد سألت أبا ذر كيف يقال إذا سلم عليه؟ قال: قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فقلتها، فقال: وعليك السلام، أحويطب؟. قال: قلت: نعم، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك.
قال: وسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي، واستقرضني مالاً فأقرضته أربعين ألف درهم، وشهدت معه حنيناً، وأعطاني من غنائم مئة بعير.
ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها، وله بها دار بالبلاط عند أصحاب المصاحف، وكان ممن أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصحاب المئين من المؤلفة قلوبهم من قريش وسائر العرب، حويطب بن عبد العزى مئة من الإبل.