إلى حرّان. فقلت: نعم. فمشى ساعة، وقلت له: تقدّم أنت حتى أبول؛ فأبطأت عليه، فمشى وتركني؛ ثم لقيني آخر فقال: إلى حرّان؟ فقلت: نعم. فقال: نصطحب، ومشينا يومنا، فلمّا كان من الغد قلت له: تقدّم حتى أبول؛ فأبطأت عليه، فتركني ومشى، ثم آخر وآخر حتى قربت من حرّان وأنا وحدي، فرأيت رجلاً أسود دميماً حقيراً جالساً على الطّريق، فلمّا رآني بشّ بي وقال: إلى حرّان؟ قلت: نعم. فمشينا ساعةً ثم قلت له: تقدّم فأنا ألحقك. فطرح نفسه على الطّريق، فلحقته وقلت له: شغلت قلبي بجلوسك تنتظرني، فما تطهّرت كما أريد. فجلس وقال: تطهّر كيف شئت. وأعطاني ما كان معه، فقلت له: تقدّم؛ وجلست وأبطأت ساعةً كبيرةً أختبره، ثم انضجعت، فرأى فقام وجاء إلى عندي وأخرج من وسطه زمّارة وجلس عند رأسي ونفخ فيها؛ فقلت: الحق المنزل. فقال: قد مشينا ساعةً ووجب حقّ بعضنا على بعض، ليس نفترق. وهو الذي بحذاك تراه، فلم يزل معنا إلى دمشق، وخرجنا إلى مصر وهو معنا، وخرجنا إلى الحجاز وهو معنا، أطيب الجماعة نفساً وأخفّهم روحاً، وأكثرهم خدمةً، وأرفقهم بأصحابه.
عمر المغربيّ
شيخ من أهل العلم والصلاح. مات في شهر رمضان من سنة سبع وثمانين وأربعمائة.