بعث إلي أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور، فحملت إليه فقال لي: يا غوث إن صاخبتكم الحميرية خاصمتني إليك في شروطها، قلت: أفيرضى أمير المؤمنين أن يحكمني عليه؟ قال: نعم، قلت: فالحكم له شروط، فيحملها أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قلت: يأمرها أمير المؤمنين فتوكل وكيلاً وتشهد على وكالته خادمين حرين يعدلهما أمير المؤمنين على نفسه. ففعل، فوكلت خادماً وبعثت معه بكتاب صداقها، وشهد الخادمان على توكيلها، فقلت له: تمت الوكالة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يساوي الخصم في مجلسه فليفعل، فانحط عن فرشه وجلس مع الخصم، ودفع إلي الوكيل كتاب الصداق، فقرأته عليه، فقلت: أيقر أمير المؤمنين بما فيه؟ قال: نعم، قلت أرى في الكتاب شروطاً مؤكدة بها تم الناح بيتكما، أرأيت يا أمير المؤمنين لو أنك خطبت إليها ولم تشترط لها هذا الشرط أكانت تزوجك؟ قال: لا، قلت فبهذا الشرط تم النكاح، وأنت أحق من وفى لها بشرطها، قال: قد علمت إذ أجلستني هذا المجلس أنك ستحكم علي، قلت: أعظم جائزتي وأطلق سبيلي يا أمير المؤمنين، قال: بل جائزتك على من قضيت له، وأمر لي بجائزة وخلعة، وأمرني أن أحكم بين أهل الكوفة، فقلت: يا أمير المؤمنين! ليس البلد بلدي ولا معرفة لي بأهله، قال: لا بد من ذلك، قلت: يا أمير المؤمنين فأنا أحكم بينهم، فإذا أنا ناديت: من له حاجةٌ بخصومة، ولم يأت أحد تأذن لي بالرجوع إلى بلدي؟ قال: نعم. قال غوث: فجلست فحكمت بينهم، ثم انقطع الخصوم فناديت بالخصوم، فلم يأت أحد؛ فرحلت من وقتي إلى مصر.
وفي رواية: فقال لي أبو جعفر: أقم هاهنا، فقلت: البلد ليس بلدي وليس لي معرفةٌ بأهله، فإن رأيت أن تعفيني، فأعفاني.
توفي غوث بن سليمان سنة ثمانٍ وستين ومئة.
[غياث بن جميل]
أبو الخضر المقبري قال غياث: حفرت في مقابر باب توما وأنا سبي - وكان من أبناء ثمانين سنة أو دونها - قال: فلما وصلت إلى اللحد رأيت مثل النطع، فكشفت فإذا فخذ