لو أن ما هم عليه عن رغة ... ما جعل القوم زيهم مثله
لقد تأتى لهم بزيهمو ... من الورى ما تعاطى القتله
إذا تأملتهم رأيتهمو ... نوكى كسالى أذلة أكله
[أبو علي بن أبي موسى المعدل]
قال أبو علي: كنت بمصر فقال بعض أصحابنا: يا أبا علي ها هنا حكاية عجيبة، قم حتى تسمعها من أحمد بن طاهر القزاز. فجئنا إليه، وسألوه أن يحكي لي حكاية أبي شعيب المقفع فقال: هذا سوقي، أيش أذكر له؟ فقيل له: احكها له، فقال: نعم، كان لنا بمصر بيت ضيافة، فجاءنا فقير يكنى بأبي سليمان، فقال: الضيافة. فأقام عندنا سبعة أيام، أكل فيها ثلاث أكلات، كل ثلاثة أيام أكلة، فسمته المقام عندنا فأبى وقال: أريد الثغر. فسألته أن لا يقطع أخباره عني، فغاب اثنتي عشرة سنة، وقدم، فقلت له: لم لم تكتب إلي؟ فقال: لم أبلغ الثغر، كنت في الرملة، فرأيت فيها شيخاً يقال له أبو شعيب؛ مبتلى، فخدمته سنة، فوقع لي أن أسأله، عن سبب بلائه، فدنوت منه، فابتدأني وقال: وما سؤالك عما لا يعنيك؟ فصبرت سنة أخرى وتقدمت إليه لأسأله، فقال لي في الثالثة: ولا بد لك؟ فقلت: إن رأيت. قال: نعم، بينا أنا أصلي بالليل في محرابي، حتى بدا لي من المحراب نور شعشعاني كاد أن يخطف بصري. فقلت: اخسأ يا ملعون، فإن ربي أجل وأعز من أن يبرز للخلق. ثم صبرت برهة، فبدا لي نور فقلت مثل ذلك، ثم بدا في الثالثة نور أشد مما بدا، فقلت: إخسأ يا ملعون. فلو برزت السماوات والأرضون والعرش والكرسي كان ربي أجل وأعز من أن يبرز للخلق. قال: ثم سمعت نداءً ملكياً من المحراب: يا أبا شعيب. قلت: لبيك، لبيك، لبيك، فقال: تحب أن أقبضك في وقتك هذا، ونجازيك على ما مضى لك؟ أو نبتليك ببلاء نرفعك به في عليين. فسكت سكتة ثم قال:
بلاؤك، بلاؤك، بلاؤك. فسقطت عيني ويدي ورجلي. قال: فمكثت أخدمه اثنتي عشرة سنة. فقال لي يوماً، وكأن عينيه سكرجتان: ترى ما أرى؟ قلت: لا. قال: فتسمع ما أسمع؟ قلت: لا. قال: ادن مني. فدنوت منه، فسمعت أعضاءه تخاطب بعضها بعضاً