أوصى عتبة عبد الصمد مؤدب ولده فقال: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت، علمهم كتاب الله، ولا تملهم فيكرهوا، ولا تدعهم منه فيهجروا، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تخرجهم من باب العلم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، تهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، وامنعهم من محادثة النساء، واشغلهم بيسير الحكماء، واستزدني بآدابهم أزدك، ولا تتكلن على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك.
[عتبة بن عبد الرحمن الحرستاوي]
قال جرير بن عتبة بن عبد الرحمن: سمعت أبي يحدث الأوزاعي وأنا جالس، عن القاسم مولى بني يزيد أبي أمامة الباهلي قال: كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا الشام ومن بها من الروم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم ستظهرون بالشام وتغلبون عليها، وتصيبون على سيف بحرها حصناً، يقال له أنفة، يبعث الله منه يوم القيامة اثني عشر ألف شهيد.
قال: فسمعت الأوزاعي يقول لأبي: لقد سمعت منك حديثاً جيداً يا شيخ وحدث عنه أنس بن مالك بالبصرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل المسجد والحارث بن مالك نائم، قال: فحركه برجله، قال: ارفع رأسك. قال: فرفع رأسه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: فقال: له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أصبحت يا حارث بن مالك؟ قال: أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً، قال: إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة ما تقول؟ قال: عزمت عن الدنيا، وأظميت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني أنظر إلى عرش ربي، فكأني أنظر إلى أهل الجنة