حدث عن أبي صالح محمد بن أبي عدي بن الفضل السمرقندي بسنده عن حفص بن عمر المربعي قال: خرجنا من بغداد نريد شعيب بن حرب الواسطي بمدائن كسرى، فضاق علينا منزله، فخرج إلى شط دجلة، إلى موضع يقال له الرقة، فقلنا له: يا أبا صالح، معنا أحاديث نريد أن نسألك عنها، فقال: كما أنت حتى أحدثكم حديثين في الورع: أما أحدهما فرأيته بعين، وصحبته برجلي، وأما الآخر فحدثني به حبيبي سفيان بن سعيد بن مرزوق الثوري:
خرجت حاجاً، فلما كنت على سيف البحر أقبل رجلان كأنما ركضا في رحم، يعظم كل واحد منهما صاحبه، فقالا لي: ما يحبسك ها هنا؟ فقلت: سفينة أركب فيها إلى الحج، فبينا نحن كذلك، إذ أقبلت سفينة فيها قمح مصبوب، فركبنا فيها والقلع مشرع، فمد أحد الفتيين يده إلى حبة قمح، فألقاها فيه، فنظر إليه صاحبه فقال له: مه ما صنعت!؟ قال: سهوت، قال: وأنا أصحب من يسهو عن الله! ثم قال: يا ملاح، قرب أنزلني، وإلا قذفت نفسي قي البحر، فتهاون به الملاح فقلت أنا بجهلي به: يا هذا، من حبة قمح ألقاها صاحبك إلى فيه تلقي نفسك في البحر؟! فلم ينظر إلى صاحبه ونظر إلي، فقال لي هيه، استصغرت الذنب، ولم تنر من عصي! ثم صاح صيحة حتى بلغ رأسه سقف السفينة، ثم وقع يضطرب مثل الفرخ المذبوح، فرششنا على وجهه الماء، حتى أفاق فقال: يا ملاح قرب أنزلني، وإلا قذفت نفسي في البحر، فتهاون به الملاح، فاجتمع بأثوابه ثم زج نفسه في البحر، فما كانت إلا غوصة حتى علا الماء إلى صدره ثم غاب عنا، فلمن نره، فقلت أنا لصاحبه: يا هذا، من حبة قمح ألقيتها إلى فيك، طرح صاحبك نفسه في الماء! فقال: والله إني لرفيقه منذ ثلاثين عاماً، ما رأى مني زلة غيرها. فقلت في نفسي: هذا والله يدل على فحوى قوله: إنه ما عصى الله عزّ وجلّ منذ ثلاثين