ثم خرج، فلم يزل يتعهدها، ويصلح ما أمر به، فاعتلت الجارية علةً شديدة، وورد عليها نعي المأمون. فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وتوفيت. وكان مما قالت وهي تجود بنفسها: البسيط
إن الزمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة انفاساً وأروانا
أبدى لنا تارة منه فأضحكنا ... ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا
إنا إلى الله فيما لا نزال به ... من القضاء ومن تلوين دنيانا
دنيا نراها ترينا من تصرفها ... مالا يدوم مصافاةً وأحزانا
ونحن فيها كأنا لا نزايلها ... للعيش أحياؤنا يبكون موتانا
توفي المأمون وسنة ثمان وأربعون سنة، وقيل تسع وأربعون، وسنه الصحيح ثمان وأربعون سنة وأ؟ ربعة أشهر وخمسة أيام. وتوفي ناحية طرسوس في رجب سنة ثمان عشرة ومئتين. ودفن بطرسوس في دار خاقان الخادم. وقال أبو سعيد المخزومي: الخفيف
ما رأيت النجوم أغنت من المأ ... مون في عز ملكه المأسوس
خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلفوا أباه بطوس
[عبد الله بن هارون]
أبو إبراهيم الصوري حدث عن الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خيار أمتي خمس مئة، والأبدال أربعون، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون. وكلما مات بدل ادخل الله من الخمس مئة مكانه، وأدخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون؛ فقالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمال هؤلاء، فقال: هؤلاء يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون مما آتاهم