أبو الطيب الربعي الدمشقي حدث عن القاضي أبي القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني قال:
كان لأبي إبراهيم المزني رفيق معه في البيت يعرف بأبي عبد السلام، وكانا يتفقهان ويتعبدان جميعاً، وكان لهما صديق من المصريين حسن العقل حسن المذهب، متحر في تجارته وكانت له دنيا عريضة، فكان يجهد أن يبرهما بشيء فلا يقبلان منه، فاحتال عليهما يوماً بحيلة فحمل إليهما كيساً فيه ألف دينار ثم قال لهما: يا أخواي أنتما تعلمان أني لو شاطرتكما مالي كنت مسروراً بذلك، ولكن لست أطمع منكما في ذلك وهذه ألف دينار تقبلانها مني قرضاً وتدفعانها إلى من شئتما، وإلا فرداها علي حتى أكون أنا الذي أتجر بها فما رزق الله فيها من ربح كان لكما، ويكون رأس المال لي فتكونان قد انتفعتما بلا مذلة وانتفعت أنا بلا مضرة، فقال أبو عبد السلام للمزني: يا أبا إبراهيم، قد لطف بنا صاحبنا، وما ينبغي أن نأبى عليه فقبضا منه الألف دينار. وكان لهما صديق يكنى أبا يعقوب، وكان أحد المتخلين وكان مأواه السواحل، فبلغه ذلك فساءه فأخذ رقعة فكتب إليهما فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. أسعدكما الله بما ينجيكما، وعصمكما مما يرديكما، وجعل الجنة مصيركما، وموعدكما، وأعطانا مثل ذلك بمنه. أما بعد، فإن في علو ما أفل من الدنيا وأفول ما علا منها لأولي الألباب بالثقة عن الفضول مزدجر، وفي حطم العتاة الجبارين معتبر، وما تغني الآيات والنذر إلا لأولي الأفكار والنظر، ومسالمة البغاة إلى تقحم الشبهات مدعاة، والشبهة للقلوب مقساة، والقسوة أضر أدواء المحدثين وأنتح أسباب الضلالات، فلا تذهبا عما تعلمان فإنه من يزدد نشباً يزدد تعباً، والأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، وإنما هي على المؤمنين مطابق وسجون، ما لمؤمنٍ فيها فرح إلا التردد فيما بين المطبقين والتنقل فيما بين السجنين. والسلام.
فلما قرآ كتابه علما ما نبههما له، وكانا لم يتجرا في الألف دينار ولم يمساها فحملاها إليه وساءلاه أن يعفيهما فأعفاهما.