قال ابن عباس: لبث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خروجه من الطائف ستة أشهر، ثم أمره الله بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله ساعة العسرة، وذلك في حر شديد، وقد كثر النفاق، وكثر أصحاب الصفة، والصفة بيت كان لأهل الفاقة يجتمعون فيه فتأتيهم صدقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين، وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم فاحتمل الرجل الرجل أو ما شاء الله بشبعة فجهزوهم وغزوا معهم واحتسبوا عليهم، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحسبة، فأنفقوا احتساباً، وأنفق رجال غير محتسبين، وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف، تصدق بمئتي أوقية، وتصدق عمر بن الخطاب بمئة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمر. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد اترب، ما ترك لأهله شيئاً، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل تركت لأهلك شيئاً؟ قال: نعم، أكثر مما أنفقته وأطيب، قال: كم؟ قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل بصاع من تمر فتصدق.
وعمد المنافقون حين رأوا الصدقات، فإذا كانت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به وقالوا: مراء، وإذا تصدق الرجل بيسير طاقته من تمر، قالوا: هذا أحوج إلى ما جاء به، فلما جاء أبو عقيل بصاعه من تمر قال: بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين والله ما كان عندي من شيء غيرهما وهو يعتذر ويستحي، فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي، فقال