للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أعرابي وفد على عبد الملك بن مروان]

فسلم عليه، ثم قال: مرت بنا سنون ثلاثة: أما إحداها فأكلت المواشي، وأما الثانية فأنضلت اللحم، وأما الثالثة فخلصت إلى العظم، وعندك مال، فإن يكن لله فأعط عباد الله، وإن يكن لك فتصدق علينا، إن الله يجزي المتصدقين. قال: فأعطاه عشرة آلاف درهم، ثم قال: لو كان الناس يحسنون أن يسألوا هكذا ما حرمنا أحداً.

[أعرابي دخل على عبد الملك]

فقال عبد الملك: يا أعرابي، تمنه. فقال: العافية يا أمير المؤمنين. فقال: ثم ماذا؟ قال: ثم رزق في دعة ليس لأحد علي فيه منة إلا الله ولا لله علي فيه تبعة. قال: ثم ماذا؟ قال: الخمول، فإني رأيت السوء إلى ذي النباهة سريعاً.

[رجل من بني عذرة]

صنع عبد الملك بن مروان طعاماً فأكثر وأطاب، ودعا إليه الناس فأكلوا فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام، ما رأى أحد أكثر منه ولا أطيب، فقال أعرابي من ناحية القوم: أما أكثر فلا، وأما أطيب فقد أكلت أطيب منه. فطفقوا يضحكون من قوله. فأشار إليه عبد الملك، فأدني منه فقال: ما أنت بمحق فيما تقول إلا أن تخبرني بما تبين به صدقك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، بينا أنا بهجر في تراب أحمر في أقصى حجر إذ توفي أبي، وترك كلاً وعيالاً وكان له نخل، وكان فيه نخلة لم ينظر الناظرون إلى مثلها، كأن ثمرها أخفاف الرباع لم ير قط أغلظ لحاءً ولا أصغر نوى، ولا أحلى حلاوة منها، وكانت تطرقها أتان وحشية قد ألفتها، تأوي بالليل تحتها، فكانت تثبت رجليها في أصلها، وترفع يديها وتقطع بفيها، فلا تترك بها إلا النبذ والمتفرق، فعظمني ذلك ووقع مني كل موقع، فانطلقت بقوسي وأسهمي، وأنا أظن أني أرجع من ساعتي، فمكثت يوماً وليلة

<<  <  ج: ص:  >  >>